للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِنْبَرَ، فقامَ النَّاس نَحْوهُ حتَّى صَعِدَ المِنْبَر، فَمَكُث سَاعةً لا يَتَكلَّم، فقال النَّاسُ بعضُهم لبعضٍ: قَبَّحَ اللهُ بني أُمَيَّة، حيث تَسْتَعْمِل مثل هذا على العِرَاق، فقال عُمَيْرُ بن ضَابِئٍ البُرْجُمِيُّ: ألَا أحْصِبُه لكم؟ قالوا: أمْهِل حتَّى نَنْظُر، فلمَّا رَأى عُيُون النَّاس إليهِ، حَسَر اللِّثَام عن فيه، ونَهَضَ فقال: [من الوافر]

أنا ابنُ جَلَا وطَلَّاعُ الثَّنَايَا … متَى أَضَعِ العِمَامَةَ تَعْرِفُوني

واللهِ يا أهل الكُوفَة، إنِّي لأرَى رُؤوسًا قد أيْنَعَتْ وحان قطَافُها، وإنِّي لصَاحِبُها، كأنِّي أنْظُر إلى الدِّماء بين العَمَائِم واللِّحَى: [من الرجز]

هذا أوَانُ الشَّدّ فاشْتَدِّي زِيَمْ … قد لَفَّها اللَّيْل بسَوَّاق حُطَمْ

ليسَ براعي إبل ولا غَنَمْ … ولا بجَزَّارٍ على ظَهْرِ وَضَمْ

[وقال أيضًا] (a): [من الرجز]

قد لفَّهَا اللَّيْل بعَصْلَبيّ … أَرْوَعَ خرَّاج من الدَّوِّيّ

مُهاجِر لَيْسَ بأعْرَابيّ

[وقال] (b): [من الرجز]

قَدْ شَمَّرَت عن سَاقها فَشُدُّوا … وجَدَّتِ الحَرْبُ بكُم فَجدُّوا

والقَوْس فيها وَتَرٌ عَرَّدُ … مثْلُ ذِرَاع البَكْرِ أو أشَدُّ

إنِّي، واللهِ يا أهْلَ العِرَاق، ما يُقَعْقَعُ لي بالشِّنَان، ولا يُغْمَزُ جانبي كغَمْزِ التِّيْن، ولقد فُرِرْتُ عن ذَكَاءٍ، وفُتِّشْتُ عن تَجْربةٍ، وإنَّ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن نَثَرَ كِنانَتَهُ فعَجَم عِيْدَانَها، فوَجَدَني أمرَّهَا عُودًا، وأصْلَبَها مَكْسَرًا، فرَمَاكُم بي لأنَّكُم طالَما أوْضَعْتمُ في الفِتْنَةِ، واضْطَجَعْتُم في مَرَاقِد الضَّلَالِ، والله لأحْزمنَّكُم


(a) ما بين الحاصرتين إضافة من ابن عساكر والمصادر المتقدمة التي أوردت الخطبة.
(b) كالإضافة قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>