للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَرَ به فجُعِلَ في حَائِرٍ، وأُجِيْعَ ثلاثةَ أيَّام، فأرْسَل إلى جَحْدَر، فأُتِيَ به من السِّجْن ويَدُه اليُمْنَى مَغْلُولةٌ إلى عُنُقهِ، وأُعْطِيَ سَيْفًا والحَجَّاج وجُلَسَاؤُه في مَنْظَرةٍ لهم، فلمَّا نَظَر جَحْدَر إلى الأسَد أنْشَأ يقُول: [من الرجز]

لَيْثٌ ولَيْثٌ في مَجَالٍ (a) ضَنْكِ … كلاهُما ذُو أنَفٍ ومَحْكِ

وشِدَّةٍ في نَفْسِه وفَتْكِ … إنْ يَكْشف اللّهُ قِنَاع الشَّكِّ

فهو أحَقّ مَنْزِلٍ بتركِ (b)

فلمَّا نَظَر إليهِ الأسَدُ، زَأَرَ زَأرةً شَدِيدةً، وتَمَطَّى وأقْبلَ نحوِه، فلمَّا صَارَ منه على قَدْر رُمْح، وثَبَ وَثْبَةً شَدِيدةً، فتَلَقَّاهُ جَحْدَرُ بالسَّيْفِ، فضَربَهُ ضرْبةً حتَّى خَالط ذُبَابُ السَّيْف لَهَوَاته، فحَرَّ الأسَدُ كأنَّهُ خَيْمَةٌ قد صَرَعَتْها الرِّيْحُ، وسَقَطَ جَحْدَر على ظَهْره من شِدَّةِ وَثْبةِ (c) الأسَد ومَوضِع الكُبُول، فكَبَّرَ الحَجَّاجُ والنَّاس جَمِيعًا، وأنْشَأ جَحْدَر يقول: [من الكامل]

يا جُمْلُ إنَّك لو رَأيتِ كَرْيهَتي … في يَوْم هَولٍ مُسْدِفٍ وعَجَاجِ

وتَقَدُّمي للَّيْثِ أرْسُفُ (d) مُوْثَقًا … كيما أُثاوِره على الإحْرَاجِ

شَثْنٌ براثِنُهُ كأنَّ نيُوبَهُ … زُرْقُ المَعَاولِ أو شَبَاةُ زجَاجِ

يَسْمُو بنَاظِرَتَيْن تَحْسَبُ فيهما … لَهَبًا أحدُّهمُا شُعَاعُ سِرَاج

وكأنَّما خِيْطَتْ عليهِ عَبَاءَةٌ … بَرْقَاءُ أو خِرَقٌ من الدِّيْبَاج

لعَلِمْتِ أنّي ذُو حفَاظِ ماجدٌ … من نَسْلِ أقْوَام ذوي أبْرَاجِ

ثُمَّ الْتَفَتَ إلى الحَجَّاجَ فقال:

ولئن قَصَدْتَ بي (e) المَنِيَّةَ عَامِدًا … إنِّي لخَيْرُك بعد ذاكَ لَرَاجِ (f)


(a) الجليس الصالح: محلّ.
(b) كرر ابن عساكر هذا الشطر في الصدر والعجز، وفي الجليس الصالح صدره: أو ظفر بحاجتي ودركي.
(c) ابن عساكر: رمية.
(d) ابن عساكر: أسفر.
(e) ابن عساكر: لي.
(f) ابن عساكر: لخيرك يا ابن يوسف راج، وهي رواية أخرى أدرجها المعافى بن زكرياء عقب هذا البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>