ويَجْفُوك سُلْطانُكَ، ويَكْلَب زَمَانُكَ؟ قال: لو بَلَاني الأَمِيرُ، أكْرَمَهُ اللّه، لوَجَدَني من صَالِحي (a) الأعْوَان وبُهْمِ الفُرْسَان، ولوجَدَني من أنْصَح رعيَّتهِ، وذلك أنِّي ما لقيْتُ فَارِسًا قَطُّ إلَّا كنتُ عليه في نَفْسِي مُقْتَدرًا. قال له الحَجَّاجُ: إنَّا قَاذِفُون بك في حَائرٍ فيه أسَدٌ عَاقِرٌ ضَارٍ، فإنْ هو قتلكَ كَفَانا مَؤُونتَكَ، وانْ أنتَ قتلْتَهُ خلَّينا سَبيلَكَ، قال: أصْلَح اللّه الأَمِير، أعْظَمْتَ (b) المنَّة، وأعْطَيتَ المُنْيَةَ، وقرَّبتَ (c) المحْنَة. فقال الحَجَّاجُ: فإنَّا لَسْنَا بتَارِكيْكَ لتُقَاتلَهُ إلَّا وأنتَ مُكَبَّلٌ بالحَدِيدِ! فأمَرَ بهِ الحَجَّاجُ فغُلَّتْ يَمِيْنُه إلى عُنُقِه، وأرْسلَ به إلى السِّجْن، فقال جَحْدَر لبَعْض مَنْ يَخْرُج إلى اليَمَامَةِ: تَحْمَّلْ عنِّي شِعْرًا، وأنْشَأ يقول:[من الوافر]
ألَا قد هَاجَني فازدَدْتُ شَوْقًا … بُكَاءُ حَمَامتَيْن تَجَاوَبَانِ
تَجاوَبَتا بلَحْنٍ أعْجَميّ على … غُصْنَيْن من غَرَبٍ وبَانِ
قال: وكَتَبَ الحَجَّاجُ إلى عَامِلِهِ بكَسْكَر أنْ يُوجِّهَ إليهِ بأسَدٍ ضَارٍ عَاتٍ، يُجَرّ على عَجَل، فلَّا وَرَدَ كتابُهُ على العَامِل امْتَثَل أمْرَهُ، فلَّا وَرَدَ الأسَدُ على الحَجَّاج،
(a) الجليس الصالح وتاريخ ابن عساكر: من صالح. (b) الجليس الصالح: عظَّمت. (c) الجليس الصالح وتاريخ ابن عساكر: وقويت. (d) ابن عساكر: فداك. (e) الجليس الصالح والبداية والنهاية: وترى … كما نراه. (f) الجليس الصالح والبداية والنهاية: جاوزتما.