للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحمِدَ الله وأثْنَى عليه، ثمّ قال: يا أهْلَ العِرَاق والشِّقَاق والنِّفَاق والمِرَاق، قُلْتُم: مات الحَجَّاج؛ فَمَهْ؟ فواللهِ ما سَرَّني أنِّي ممَّن لا يَمُوتُ، واللهِ ما رَضِيَ اللهُ البَقَاءَ إلَّا لأهْوَن خَلْقِه عليه: إبْلِيْس، ولقد سَأل اللهَ العَبْدُ الصَّالِحُ سُليْمانُ فقال: رَبّ {هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} (١)، فأعْطاهُ اللهُ ذلك كُلَّهُ، ثمّ صَارَ إلى المَوْتِ.

أيُّها الرَّجُل، وكُلُّكُم ذلك الرّجُل، كأنِّي بك وقد انْطُلِقَ بكَ على سَرِيرك إلى ثلاث أذْرُعِ من الأرْض في ذِرَاعين، ثمّ سُنَّ عليك التُّرابُ سُنًّا، فأكَلَتِ الدِّيْدانُ لَحْمَكَ، ومصَّتْ دَمَكَ، ورجَعِ الحَبِيْبان أحَدُهُما يَقْسِم للآخر: حَبِيْبكَ من وَلدكَ يَقْسم حَبِيْبكَ من مَالِكَ، ثمّ يَمُرُّون بحُبْوَةِ قَبْركَ بعد ثالثةٍ فإنَّهم لم يَعْرفُوكَ! أمَا إنَّ الّذين يَعْلمُونَ، يَعْلَمُون ما أقُول.

أخْبَرَنا أبو هَاشِم عَبْدُ المُطَّلِب بن الفَضْل الهاشِميّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد بن مَنْصُور السَّمْعَانيّ، قال: أخْبَرَتْنا فاطِمَةُ بِنْتُ أبي حَكِيم الخَبْرِيّ قالت (a): أخْبَرَنا عليّ بن الحَسَن الشَّاعر، قال: أخْبَرَنا أحْمَدُ بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن خَالِد الكَاتِب، قال: أخْبَرَنا أبو مُحَمَّد بن المُغِيرَة، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن سَعيد الدِّمَشقيُّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن بَكَّار، قال: حَدَّثَني عليّ بن صالح، عن عَامِر بن صالح، قال: مرضَ الحَجَّاجُ مَرَضًا شَدِيْدًا، فأرْجَفَ أهْل العِرَاق بمَوْتِه، فخَرَجَ مُنْدَملًا من مَرَضِهِ حتَّى أوْفَى على ذِرْوَةِ المِنْبَر، فقال: ألَا إنَّ أهْلَ العِرَاق، أهْلُ الشِّقَاقِ والنِّفَاق، نَفَخَ الشَّيْطان في مَنَاخرِهم، فقالوا: ماتَ الحَجَّاجُ، وماتَ الحَجَّاجُ! وإنْ مُتُّ فمَهْ؟ والله ما أُحِبُّ ألَّا أمُوت، وهل أرْجُو الخَيْر كُلَّهُ إلَّا بعدَ المَوْت؟


(a) الأصل: قال.

<<  <  ج: ص:  >  >>