يا أهْلَ العِرَاق، الكَفَرات بعد الفَجرات، والغَدرات بعد الخَترات، والنَّزَوات (a) بعد النَّزَوَاتِ، إنْ بَعَثْتُكُم إلى ثُغُوركُم غَلَلْتُم وخُرْتُم وخُنْتم وجَبُنْتُم، وإنْ أَمنْتُم أرْجَفْتُم واخْتَرَصْتُم وطَعَنْتُم، ونَافَقتُم، لا تَذْكُرون حَسَنَةً، ولا تَشْكرُونَ نِعْمَةً، هل اسْتخَفَّكُم ناكثٌ، أو اسْتَغْواكم غَاوٍ، أو اسْتَنْفَرَكُم عَاصٍ، أو اسْتَفَزَّكُم ظَالِمٌ، أو اسْتَعْضَدَكُم خَالِعٌ إلَّا اتَّبَعْتُمُوه وآوَيْتُموه ونَصَرتُموه.
يا أهلَ العِرَاق، هل شَغَبَ شَاغِبٌ، أو نَعَبَ نَاعِبٌ، أو زَفَرَ زَافِرٌ إلَّا كُنْتُم أشْيَاعَهُ وأنْصَارَهُ، ألَم تَنْهَكُم المَوَاعِظُ؟ ألَم تَزْجُركمُ الوَقَائِع؟!
ثُمَّ الْتَفَتَ إلى أهْل الشَّام، فقال؟ أنا كالظَّلِيْم الرَّامحِ عن فرَاخِه، يَنْفِي عنها القَذَر، ويُبَاعِدُ عنها الحَجَر، ويُكِنُّها من المَطَر، ويَحْميها من الضَّبَاب، ويَحْرُسُها من الذِّئَاب (b). يا أهْل الشَّام أنْتُم الجُنَّةُ والرِّدَاءُ، وأنتُم العُدَّةُ والحَذَاءُ.
أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عَبْد الله، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم يَحْيَى بن أسْعَد بن بَوْش، قال: أخْبَرَنا أبو العِزّ بن كَادشٍ، قال: أخْبَرَنا أبو عليّ الجَازِرِيّ، قال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء (١)، قال: حَدَّثَنَا أحْمَد بن مُحَمَّد بن سَعيد الكَلْبيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن زَكَرِيَّاء الغَلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عُبَيْد الله بن عبَّاسٍ، عن عَطَاءٍ - يعني ابن مُصْعَب - عن عَاصِمٍ، قال: خَطَبَ الحَجَّاج أهْل العِرَاق بعد دَيْر الجَمَاجِم، فقال:
يا أهْلَ العِرَاق، إنَّ الشَّيْطان قد اسْتَبْطَنَكُم، فخالَط اللَّحْمَ والدَّمَ والعَصَبَ والمَسَامعَ والأطْرَاف، ثمّ أفْضَى إلى الأسْمَاخِ (c) والأمْخَاخِ، ثمّ ارْتَفَع فعَشَّشَ، ثمّ
(a) كذا في الأصل، وترد فيما بعد - في رواية المعافى بن زكرياء -: النزوة بعد النزوات. (b) في الأصل: الذباب، والتصويب من رواية المعافي بن زكرياء التالية. (c) الجريري: الأصماخ، والسماخ لغة في الصِّماخ: وهو موضع ولوج الأذن عند الدماغ. لسان العرب، مادة: سمخ.