مَنْزِلي، فما وَضَعْتُ ثِيَابي حتَّى جاءني رَسُول الحَجَّاج، فأتَيْتُهُ وقد اخْتَرَط سَيْفَهُ فهو في حَجْره، فقال: أُدْنُ، فدَنَوْتُ قَليلًا، ثمّ قال: أُدْنُ، فقلت: ليس بي دُنُوٌّ وفي حَجْر الأَمِير ما أرى! فأضْحَكَهُ اللهُ تعالى لي وأغْمَدَ السَّيْفَ، فقال: ما قال لك الخَبِيْث؟ فقُلتُ: والله ما غَشَشْتُكَ منذ اسْتَنْصَحْتَني، ولا كذبتُكَ منذ صَدَّقْتَني، ولا خُنْتُكَ منذُ ائتَمَنْتَنِي، فأخْبرتُه بما قال، فلمَّا أردتُ ذِكْر الرَّجُل الّذي عنده المالَ، صَرَفَ وَجْهَه وقال: لا تُسَمِّه، وقال: لقد سَمِعَ عَدُوَّ الله الأحَادِيْث.
وقال: أخْبَرَنا المُعَافَى بن زَكَرِيَّاء الجَرِيْرِيّ (١)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحَسَن بن دُرَيْد، قال: حَدَّثَنَا أحْمَدُ بن عِيسَى، عن العبَّاس بن هِشَام (a)، عن أَبيِهِ، عن عَوَانَة، قال: خَطَبَ الحَجَّاجُ النَّاسَ بالكُوفَة، فَحمدَ الله وأثْنَى عليه، ثُمَّ قال: يا أهْل العِرَاق، تَزْعُمُون أنَّا من بَقِيَّةِ ثَمُود، وتَزْعُمُون أنِّي سَاحِر، وتَزْعُمُون أنَّ الله جَلَّ وعزَّ علَّمَني اسْمًا من أسْمائه أقْهَركُم [به] (b)، وأنتُم أوْلياؤُهُ بزَعْمكُم وأنا عَدُوّه، فبيني وبينكم كتابُ الله تعالَى، قال عزَّ وجلَّ:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}(٢)، فنحنُ بَقِيَّة الصَّالِحين إنْ كُنَّا من ثَمُود. وقال عزَّ وجلَّ:{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}(٣)، واللهُ أعْدَل في خَلْقهِ (c) من أنْ يُعَلِّم عَدُوًّا من أعْدائِهِ اسْمًا من أسمَائهِ يَهْزمُ بهِ أوْلِيَاءَهُ. ثمّ حَمِيَ وكَثُر كَلَامُهُ (b)، فتَحَامَل على رُمَّانَةِ المِنْبَر فحطمَها! فجَعَل النَّاسُ يتلاحَظُونَ بينهم وهو يَنْظُر إليهم، فقال: يا أعْدَاءَ اللهِ، ما هذا التَّرَامُزُ؟ أنا حُدَيَّا الظَّبْي السَّانِح، والغُرَاب الأبْقَع، والكَوْكَب ذي الذَّنَب. ثمّ أمَرَ بذلك العُود فأُصْلحَ قَبْل أنْ يَنْزل من المِنْبَر.
(c) ابن عساكر: هاشم، وما هنا موافق لما عند المعافى بن زكرياء. (b) إضافة من الجليس الصالح. (c) كذا في الأصل، وفي الجليس الصالح وابن عساكر: حكمه. (d) الجليس الصالح: من كثرة كلامه