ومن الشُّعَراء المَذْكُورين أبو نَصْر المَنَازِيّ، حَسَن الشِّعْر، سَهْل الألْفَاظ، صحيح المَعَاني، مُسْتَعْذب القَوْل، من حَقِّهِ أنْ يَتَميَّز عن هذه الطَّبَقَة، فمن شِعْره (١): [من الطويل]
أُظَاهِرُ بالعُتْبَى إذا أَضْمَرَتْ عَتْبا … وأسأَلُ غُفْرَانًا ولم أعْرِفِ الذَّنْبَا
وأصْدَقُ ما نُبِّيتُ أنِّي بَلوتُها … فما سَالَمَتْ سِلْمًا ولا حَاربَتْ حَرْبَا
هي الشَّمْسُ حالَتْ دُوْنَها حُجْبُ خِدْرِها … ولو بَرَزَتْ كان الضِّيَاءُ لها حُجْبا
إذا جهَّزَتْ ألْحاظَها قَصْدَ غَافلٍ … أغَارتْ على قلب أوِ اسْتهلَكَت لُبَّا
أَلَمْ يأنِ في حُكْم الهَوَى أنْ ترِق لي … منَ المدْمِع الرّيّانِ والكَبِدِ اللَّهْبَا
ومن زَفْرةٍ حَرَّى إذا ما تقَطَّعَتْ … شَعَاعًا تُدمي الجفْنَ أو تُحْرِقُ الهُدْبا
شَجَتْنيَ ذاتُ الطَّوْقِ عَجَماءُ لم تُبِنْ … وشيْمَةُ عُجْمِ الطَّيْرِ أنْ تَشْجُوَ العُرْبا
دَنَا إلْفُها واخْتَلَّ (a) أطْرَافُ عَيْشِها … فهَاجَتْ ليَ البَلْوَى (b) وقد هَدَلت عَجْبا
هَفَا بكَ مَتْنُ الغُصْن لو أنَّ قُدْرةً … سلَبتُكَ حَلْيَ الطَّوْق والغُصُنَ الرَّطْبَا
ولكنَّ إخْوَانًا أعُدُّ فِرَاقَهُم … خسَارًا ولو سَافَرْتُ أقْتَنِصُ الشُّهْبَا
وخَلَّفْتُ قَلْبي بالعِرَاقِ رهِيْنةً … لقَصْدِ بِلَادٍ ما اكْتَسَبْتُ بها قَلْبا
وإنِّي ليُحْييني على بُعْدِ دَاره … نسَمٌ نَعاماهُ ولو حمَلَتْ تُرْبا
ومِن شْيِمَتي أنْ أسْتَمِدَّ (c) له الصَّبا … وأسْتَسْبغَ (d) النُّعْمَى وأسَتْمطرَ السُّحبا
وأعْمر من ذكْراهُ كُلّ مَفَازَة … وأُلْهِي بعُلْياهُ الرَّكائِبَ والرَّكبا
وأذكُرهُ بالصَّيْف (e) إنْ جاءَ طَارقًا … وبالطَّيْف إنْ أسْرِى وبالسَّيْفِ إنْ هَبَّا
وبالبَدْرِ إنْ أوْفَى وباللَّيْث إنْ سَطَا … وبالغَيْثِ إنْ أرْوى وبالبَحْر إنْ عَبَّا
(a) الوافي: واخفرّ.
(b) كتب في الهامش: "ح [أو: خ]: الألْوَى".
(c) كتب ابن العديم في الهامش: "اسْتَهبَّ"، وعليها حرف: "ح"، ومثل الرواية المقترحة ما عند الصفدي.
(d) الوافي: واستتبع.
(e) الوافي: بالطيب.