بهما، ثُمّ عاد إلى مَجْلِس وَعْظِه، وقال: سَألني هذا عن الزُّهْدِ، وكان عندِي دِينْاران، فاسْتَحيَيْتُ من اللهِ أنْ أتَكلَّمَ في الزُّهْدِ، وعندي شيء من الدُّنْيا!
وقبل مَوْتِه بقَليل، جَرَى بين الصّوفِيّةِ بخَانقاه السُّمَيْسَاطِيّ (١) نِقَارٌ، فجاءَهُم الشَّيْخُ ودَقَّ البابَ، فقالوا: مَن؟ فقال: عليٌّ البَلْخيُّ، فعَرفُوه وفَتَحُوا له، فدَخَلَ وأصْلَحَ بينهم، وخَلَعَ ثيِابَهُ لتَعْمل الصَّوفِيَّة بها اسْتِغفارًا كما جَرَت العادة لهم، فلم يَبْقَ عليه إلَّا ثَوْبٌ واحدٌ، وخَرَج وصَلَّى، فأصَابَهُ بَرْدٌ، فتَأثَّر بَدَنهُ لذلك، فأصْبَح وذَكَر الدَّرْس، ثُمّ بعدَ أيَّام خرجَ وصَلَّى بهم الصُّبْحَ، وكان يَؤمُّ بهم ويُطِيل الصَّلَاة، يَبْدأُ بغَلَسٍ، ويَخْتمُ بإِسْفار، فقَرأ في الصَّلَاة {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ}(٢). فأجْهَشَ النَّاسُ بالبُكَاءِ عندَما قَرأ ذلك، فرَكع وأتَمّ الصَّلَاة، ودَخَلَ مَنْزله، فلم يَخْرج منه بعد ذلك حتَّى مات يَوْم الخَمِيْس في شَعْبان سَنَة ثَمانٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائة. ودُفِنَ بمَقْبرةِ باب الصَّغِيْر.
قال ابنُ قاضِي العَسْكَر دَعَوتُ عند قَبْرِه في أُمورٍ أهَمَّتنِي، ثلاث دَعَواتٍ، فاسْتُجِيبَ لي.