" قال الصَّاحِبُ أَبُو القَاسِم: وقد صَحبتُهُ ووَهَب لي قَمِيْصًا له أزْرَق، وَقال لي يَوْمًا ببَيْتِ المقدِس: يا أَبَا القَاسِم، اعْشَقْ تَفْلح! فاسْتَحْيَيتُ، وَذَلِكَ في سَنَة ثلاثٍ وستِّمِائة، وعُدْتُ مع والدِي. ثُمَّ بعد مُدَّة سارَّني بجامع دِمَشْق، وَقال: عَشِقتَ بَعْدُ؟ فَقُلْتُ: لَا، قال: شُهْ عليكَ! واتَّفق أنِّي تزوَّجتُ بعد ذاك بسَنَة، ومِلْتُ إلى الزَّوْجَة مَيْلًا عَظِيمًا، فما كُنْتُ أصْبِرُ عنها"(١).
"قال ابنُ العزِّ عُمَر: قَرأتُ في تاريخ ابن العَدِيْم، بغير خَطِّهِ، قال سيِّدنا العَلَّامَة أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أبي الحُسَين اليُوْنِيْنيّ: كُنْتُ عند الشّيْخ يَوْمًا، فجاءَهُ رَجُلان من العَرَب، فقالا: نَطْلع إليك؟ قال: لَا، فذَهَب أحدُهما وجَلَس الآخرُ، فَقال الشَّيْخ:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}(٢)، ثُمّ قال لَهُ: اطْلع. وطَلع، فأقامَ عندنا أيَّامًا، فقال لَهُ الشَّيْخُ: تُحبّ أنْ أُربك قبركَ؟ قال: نَعَم، فأتَى بِهِ المقبرة، فَقال: هَذَا قبركَ! فأقام بعد ذَلِكَ اثْنى عَشر يَوْمًا، أو أرْبَعة عشر يَوْمًا، ثُمَّ مات، فدُفِنَ في ذَلِكَ المكان!
وَكان لَهُ زَوْجَة ولها بنْت، فطَلبتُ أنْ يُزَوِّجَني بها، فتَوَقَّفت أُمُّها، وقالت: هَذَا فَقِيرٌ ما لَهُ شيء. فَقال: واللهِ إنّي أرَى دَارًا قد بُنِيَتْ لَهُ، وفيها ماءٌ جارٍ، وابْنَتك عنده في الإيْوان، ولهُ كِفَايةٌ عَلَى الدَّوام، فَقالتْ: تَرَى هَذَا؟ قال لها: نعم. فزَوَّجَتْنيها، ورَأت ذلكَ، وأقامَت معي سِنين، وذلك سَنَة مُحاصَرَة المَلِك العَادِل سِنْجَار.
وكانت امْرَأة بعد مَوْتها تَطْلب زَواجِي، وتشَفَّعَت بزَوْجةِ الشَّيْخ، فلمَّا أكْثرت علَيَّ، شَكَوْتُها إلى الشَّيْخ، فقال: طَوِّلْ رُوحك يَوْمين، ثلاثة، ما تَعُود
(١) تاريخ الإسلام ١٣: ٥٠٣، ومسالك الأبصار ٨: ٢١٦. (٢) سورة الرعد، الآية ١٧.