فقال للمُغَنِّي: لمَن هَذا الشِّعْرُ وَيْحَكَ؟ قال: لبعضِ أحْدَاثِ خُزَاعَة ممَّن لا يُؤْبَهُ له يا أَمِير المُؤْمنِيْن. قال: ومَنْ هو؟ قال: دِعْبِل بن عليّ الخُزَاعِيّ، قال: يا غُلَام، أحْضِرني عَشرة آلاف دِرْهم، وحُلَّةً من حُلَلِي، ومَرْكبًا من مَرَاكبي خَاصَّةً يُشبهُ هذا، فأحْضَرَ ما أمرَهُ، قال: ادْعُ لي فُلَانًا فدَعَاهُ له، فقال له: اذْهَب بهذا حتَّى تُوصلَهُ إلى دِعْبِل، وأجَازَ المُغَنِّي بجَاِئِزَةٍ عَظِيمَةٍ، وتقَدَّم إلى الرَّجُل الّذي بَعَثَهُ إلى دِعْبِل أنْ يَعْرض عليه المَصِيْر إلى هَارُون، فإنْ صار وإلَّا أعْفَاهُ من ذلك.
فانْطَلَق الرَّسُولُ حتَّى أتَى دِعْبِلًا في مَنْزِلهِ، وخبَّرهُ كيف كان السَّبَب في ذِكْرهِ، وأشَارَ عليه بالمَصِيْر إليهِ، فانْطَلَق دِعْبِل معه، فلمَّا مَثُل بينَ يَدَيْهِ، سَلَّم، فرَدَّ عليه هَارُون السَّلام، وقرَّبه ورَحَّب به حتَّى سَكَن رعْبُهُ، واسْتَنْشَده الشِّعْر فأنْشَدَه، وأُعْجْبَ به، وأقام عندَهُ يمتَدِحُه، وأجْرَى عليه الرَّشِيْدُ أجْزَل جرَايةٍ وأسْنَاها.
وكان الرَّشِيْدُ أوَّلَ مَنْ ضَرَّاهُ على قَوْل الشِّعْر وبَعَثَهُ عليه، فواللهِ ما كان إلَّا بعد ما غُيِّب هَارُون في حُفْرته إذْ أَنْشَأ يَمْتَدِح آل الرَّسُول صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَهْجُو الرَّشِيْدَ، فمن ذلك قَوْله (١): [من البسيط]
وليسَ حَيٌّ من الأحْيَاء نَعْرفُه (a) … من ذي يَمَانٍ ولا بَكْرٍ ولا مُضَرِ
إلَّا وهُم شُرَكاءٌ في دِمَائهم … كما تَشَارَكَ أيْسَارٌ على جُزُرِ