ويَرُوق لي من ماء حُبِّكَ شَرْبة … تروي الصَّدَى إنْ رَاقَ غيري الكَوْثَرُ
ما لي رَجَاء في جنَانٍ زُخْرفتْ … كلَّا ولا أخْشَى حَمِيْمًا تسْعَرُ
لكنِ رَجَائي أنْ أرَاكَ وخَشْيَتي … من أنْ تَهِيْجني الذُّنُوب فأهجَرُ
يا مَنْ تفرَّدَ بالبَقَاء فما لهُ … ندٌّ يُضَاهِي أو شَرِيكٌ يُذْكَرُ
أنْتَ الجَوَادُ فما يُقَلِّل جُوْدَهُ … ذَنْبٌ ولا الحَسَنات فيهِ تُكَثِّرُ
كُنْ لي إذا الرُّسُل الكِرَامُ تَعَاظَمَتْ … ذَنْبٌ فظنَّتْ أنَّهُ لا يُغْفَر
فلأنْتَ أوْلَى بالتَّجَاوُزِ مُحْسِنًا … والعَفْو عن أهْلِ القُنُوط وأَجْدَرُ
وأنْشَدَني المَلِكُ النَّاصِر دَاوُد بن عِيسَى لنَفْسِه بحَلَب يَمْدَح الإمَام المُسْتَنْصِر باللَّه أَمِير المُؤْمنِيْن (١): [من الطويل]
وَدَان ألَمَّتْ بالكَثِيْب ذَوَائبُهْ … وجُنْحُ الدُّجَى وَحفٌ (a) تَجُولُ غَيَاهبُه
تُقَهْقِهُ في تلك الرُّبوع رُعُودُه … وتَبْكِي على تلك الطُّلُول سَحَائبُه
أرقْتُ له لمَّا تَوَالَتْ برُوقُهُ … وحُلَّتْ عزَاليهِ وأَسْبَلَ سَاكبُه
إلى أنْ بَدَا من أَشْقَر الصُّبْح قَادِمٌ … يُرَاع لهُ من أدْهَمِ اللَّيْلِ هَارِبُه
وأصْبَحَ ثَغْرُ الأُقْحُوانَة ضَاحِكًا … تُدَغْدغُهُ رِيْح الصَّبَا وتُدَاعِبُه
تَمُرّ على نَبْتِ الرِّيَاضِ بليْلَةً … تُجَشِّمه (b) طَوْرًا وطَوْرًا تُلَاعِبُه
وأقْبَل وجْهُ الأرْضِ طَلْقًا وطَالَمَا … غَدَا مُكْفَهرًّا مُوْحشَاتٍ جَوَانبُه
كَسَاهُ الحيا وَشْيًا من الأرْض (c) فَاخرًا … فعَادَ قَشِيْبًا غَوْره وغَوَارِبُه
كما عَادَ بالمُسْتَنْصِر بن مُحَمَّد … نظَامُ المَعَالِي حينَ فُلَّتْ كَتَائِبُه
(a) تاريخ الإسلام: وجف.
(b) الوافي: تجمشه.
(c) الفوات والوافي: النبت.