غَالَى بنَفْسِيَ عِرْفاني بقيْمتها … فصُنْتُها عن رَخِيْص القَدْر مُبْتَذلِ
وعَادَةُ النَّصْل أنْ يُزْهَى بجَوْهَره … فليسَ يعْملُ إلَّا في يَدَيْ بَطَلِ
ما كنتُ أُؤثرُ أنْ يَمْتَدَّ بي زَمَنٌ (a) … حتَّى أرَى دَوْلَة الأوْغَادِ والسِّفَلِ
تَقَدَّمتني أُنَاسٌ (b) كان شَوْطُهُمُ … وراءَ خَطْويَ لو (c) أمْشِي على مَهلِ (d)
هذا جَزاءُ امْرئٍ أقْرَانُه دَرجُوا … من قَبْلِهِ فتَمنَّى فُسْحَةَ الأجَلِ
وإنْ عَلَاني من دُوْني فلا عَجَبٌ … لي أُسْوَةٌ قي انْحِطَاطِ الشَّمْسِ عن زُحَلِ
فاصْبر لها غيرَ مُحُتَال ولا ضَجَر … في حَادِثِ الدَّهْرِ ما يُغْني عن الحِيَلِ
أَعْدَى عَدُوِّكَ أدْنَى مَنْ وَثِقْتَ به … فحاَذِر النَّاسَ واصْحَبَهمْ على دَخَلِ
فإنَّما رَجُل الدُّنْيا ووَاحِدُها … من لا يُعَوِّلُ (e) في الدُّنْيا على رَجُلِ
غاضَ الوَفَاءُ وفاضَ العُذْرُ وانْفَرَجَتْ … مَسَافَة الْخُلْف بين القَول والعَمَلِ
وشَانَ صِدْقَكَ عند النَّاس كِذْبُهُم … وهل يُطَابَقُ مُعوَجٌّ بمُعْتَدلِ
إنْ كان يُنْجعُ شيءٌ في ثَبَاتِهِمُ … على العُهُود فسَبْقُ السَّيْفِ للعَذَلِ
يا وَارِدًا سُؤْر عَيْشٍ كُلُّهُ كَدَرٌ … أنفقْت صَفْوَكَ (f) في أيَّامِكَ الأُوَلِ
مُلْكُ القَنَاعَة لا يُخْشَى عليه ولا … يُحْتَاجُ فيه إلى الأنْصَار والخَوَلِ
تَرْجُو البَقَاء بدَارٍ لا ثَبَات (g) لها … فهل سَمِعْتَ بظِلٍّ غير مُنْتَقلِ
ويا خَبِيرًا على الأسْرَار مُطَّلِعًا … اصْمُتْ ففي الصَّمْتِ مَنْجَاةٌ عن الزَّلَلِ
قَدْ رشَّحُوك لأمْرٍ إنْ فَطِنْتَ لَهُ … فارْبَأ بنَفْسِكَ أنْ تَرْعَى مع الهَمَلِ
قُلتُ: وهذه القَصِيدَة من مَحَاسِن قَصَائِده، لا بل من مَحَاسِن شِعْر أهل عَصْره، يُسَمِّيها النَّاس لَامِيَّة العَجَم تَفْضِيلًا لها على غيرها من أشْعَار العَجَم، كما
(a) الديوان: زمني.
(b) الخريدة: رجال.
(c) الديوان: إذ.
(d) ورد هذا البيت بهامش الأصل بخط دقيق مغاير لخط المتن.
(e) الوافي: يعرِّج.
(f) الديوان والوافي: عمرك.
(g) الوافي: بقاء.