فلمَّا عَلِمَتْ بي ردَّتِ البُرْقُع على وَجْهها، فكأنَّ الشَّمْسَ كانت تحْجبُها بالغَيْم، وقالت: إعْدِل عنِّي يا عَبْدَ اللَّه، فما أنا لك بصَاحِبَةٍ فلا تكُن طَامِعًا، أمَّا تَسْتَحيي من ربِّكَ أنْ تنْظُر ما ليسَ لكَ بمُحرم؟! ولحقَني أصْحابي وأنا في النَّار، فقالوا: سَبَقْتَ واللَّهِ بالحنفَاءِ أُعيْذُك باللَّهِ، فقُلتُ: يا قَوْم، دَعُوني فإنِّي في حالةٍ، قالُوا: من أيْشٍ؟ قُلتُ: رأيْتُ هذه الجَارِيَةَ فوقَعَتْ واللَّهِ في نَفْسِي، وقد شَغَلَتْنِي عن سَائر أهْلي، فقالوا: تَدْرِي هذه مَن؟ قُلتُ: لا، قالوا: هذه ابنَةُ الأَمِير طَرَّاد، وهي الّتي وَقَع الحَرْبُ من جهَتها، وهذا قبرُ خُفَاف، قُلتُ: هذه صَيْقَلُ؟ قالوا: نعم، وكان طَرَّاد سَيِّدًا في قَوْمِه يركَبُ وحْدَه ويَرْجع في خَمْسمائةِ عنانٍ.
وسِرْنا حتَّى دخلنا الحِلَّةَ، وأنا كالمَرِيْض من جِهتها، فأقَمْتُ عندهُ عَشرةَ أيَّامٍ، فلمَّا كان اليَوْم الحَادِي عَشر قُلتُ: قد فَعَلْت ما أَمْرت، وقد أحبَبْتُ أنْ تُضِيفَ إلى أياديك المَخْلُوفَة، وأفَاعيْلِكَ المألُوفَة أنْ تُشُرفَني (b)، قال: بماذا؟ قُلتُ: تُوصِل حَبْلي بحَبْلكَ وتُزوِّجَني من الصَّيْقَل ابْنَتِكَ، قال: حبَّذا واللَّه أنْتَ، ولكن ليس تُجِيْبُ أحدًا بعد الماضي، وإنَّما الحَرْبُ جَرَى من جهتها وفي سَبَبها، ولكنِّي أُخاطبُها وتكُون (c) بمحضَرٍ منكَ.