وكانَ قد ضَعُفَ وضعُفَ بَصَرُه، فلمَّا دَخَلَ عليه دعا له، واسْتَأذَنَهُ في الإنْشَادِ، فأذِنَ له فأنْشَدَ (١): [من الكامل]
أشْجَاكَ من أسْمَاءَ رَسْمٌ دَارسُ … قَفْرٌ بمختَلفِ الرِّيَاحَ بسَابِسُ
فلمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ:
يا خَيْر مَن وَرِثَ الرَّسُولَ ومَنْ بهِ … سَمَقَت فُرُوِع خِلَافَةٍ ومَغَارِسُ
أنْتَ ابنُ آباءٍ سَمَتْ بكَ منهُمُ … خُلَفَاءُ أرْبَعةُ وأنْتَ الخَامِسُ
وإِذا دُعيتَ إلى الجِنَان مُخَلَّدًا … مَعَ رُفْقَةِ الأبْرَار أنْتَ السَّادِسُ
إنَّ الخِلَافَة لا تكونُ لغَيرِكُمْ … أبَدًا وإنْ زعمَتْ لذاكَ مَعَاطِسُ
قال له المُتَوَكِّلِ: يا إسْحاقُ، ودِدْتُ أنِّي أشْتَري لكَ شَبَابًا وقُوَّةً بنِصْف مُلْكيّ، ثمّ سَأل عمَّا وَصَلَهُ به الوَاثِقُ حين خَرَج إليهِ، فأضْعَفَهُ له.
قال الصُّوْلِيّ: وأمَّا حَمَّادُ بن إسْحاقَ، فرَوَى أنَّ المُتَوَكِّل لمَّا وَلي الخِلَافَة كَتَبَ إليهِ إسْحاق (٢): [من الطويل]
لعَمْري لقَدْ زَان الخِلَافَةَ جَعْفَرٌ … فكانتْ لهُ الحقَّ الّذي ليسَ يُنْكَرُ
تَنَاهَتْ إليهِ فاسْتَقَرَّ قَرارُها … ونَامَ بهِ مَنْ كان للخَوْفِ يَسْهَرُ
وأصْبَحَ مَنْ في الأرْض بعدَ مَخَافة … وقد أمِنُوا ما كان يُخْشَى ويُحْذَرُ
تَلَألأ تاجُ المُلْك لمَّا لبسْتَهُ … وأصْبَحَ مُخْتالًا سَرِيرٌ ومِنْبَرُ
فوصَلَهُ وأمَرَهُ بالخُرُوج إليه.
أنْبَأنَا زَيْد بنُ الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور القَزَّاز، قال: أخبَرَنا أبو بَكْر الحافِظ (٣)، قال: أخْبَرَني عُبَيْدُ الله بن أحْمَد بن عُثْمان الصَّيْرَفِيّ
(١) لم ترد الأبيات الخمسة في ديوانه.
(٢) لم ترد في ديوانه.
(٣) تاريخ بغداد ٧: ٣٦٢.