أنْبَأنَا أحْمَد بن أزْهَر السَّبَّاكُ، عن أبي بَكْر الأنْصَاريّ، قال: أنْبَأنَا أبو غَالِب بن بشْرَان، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عليّ بن نَصْر: قال أبو الخَطَّاب بن عَوْن الحَرِيرِيّ، وحَدَّثَني عنهُ أبو القَاسِم الشَّاعر بذلك، وقد رأيتُهُ ولم أسْمَعْ منهُ هذه الحِكايَة قال: دَخَلْتُ إلى أبي العبَّاس النَّامِيِّ، فوَجَدتُه جالِسًا ورأسُهُ كالثَّغَامَةِ (١) بياضًا، وفيه شَعْرةٌ واحدةٌ سَوْداء، قلتُ له: يا سَيِّدِي، في رأسكَ شَعْرةٌ سَوداءُ، قال: نعم، هذه بَقِيَّةُ شَبَابي وأنا أفْرَح بها، ولي فيها شِعْرٌ، قُلتُ: أنْشدنيهِ، فأنشدَني (٢): [من المنسرح]
رَأيْتُ في الرَّأس شَعْرةً بقيَتْ … سَوْدَاء تَهْوى العُيُون رُؤيَتها
فقُلتُ للبِيْضِ إذ تُرَوِّعُها … بالله إلَّا رَحمْتِ غُرْبتها
وقَلَّ لبْثُ السَّوْدَاءِ في وَطَنٍ … تكُون فيهِ البَيْضَاءُ ضَرَّتها
ثم قال: يا أبا الخَطَّاب، بَيْضاءُ واحدةٌ تَرُوعُ ألْفَ سَوْداءَ، فكيف بسَوْدَاء بين ألف بَيْضاءَ؟!.
قَرَأتُ في نُسْخَةٍ قَدِيْمَة من دِيْوان شِعْر أبي العبَّاسِ النَّامِيِّ، وأظُنُّها بخَطِّ جَامِع شِعْره، ما صُوْرته: وكنتُ أنْشَدْتُ في لَيْلَةٍ من اللَّيالِي سَيْفَ الدَّوْلَة أبياتَ البُحْتُرِي (٣): [من الخفيف]