وقيل له: لم يبكي المحبُّ عند لقاء محبوبه؟ فقالا: في الأول سُرورًا بلقائه، وفي الآخر خَوفًا من فراقه.
وقال: التقى محبَّان فتعانقا، فقال أحدهما: واشوقاه، وقال الآخر: واوجداه.
وقيل له: ما بالُ الإنسان يكون هادئًا فإن سمع السَّماع اضطرب؟ فقال: لأنَّ الله تعالى لَمَّا خاطب الذَرَّ يوم الميثاق وقال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] استفرغت عُذوبة سماع الكلام الأرواح، فإذا سمعوا ذكره ذكروا العَهْد فاضطربوا.
وقال الجنيد: دخلت يومًا على سَرِيٍّ وعنده رجلٌ مغشيٌّ عليه، فقلت: ما حاله؟ قالوا: سمعَ آيةً من كتاب الله تعالى، فقلت: تُقرأ عليه الآية مرَّةً أخرى، فقال: من أين لك هذا؟ قلت: من قميص يوسف ﵇؛ فإنَّ بسببه ذهبتْ عينا يعقوب ﵇، وبالقميص عادتْ، فاستحسن سريٌّ منِّي ذلك.
[وقال الخلديُّ: قيل للجنيد: أيزلُّ العارف؟ فقال: وكان أمر الله قَدَرًا مَقْدورًا.]
وقال: رأيتُ في المنام كأنَّني أتكلَّم على النَّاس، فوقف عليَّ ملكٌ وقال: أقربُ ما تقرَّب به المتقرِّبون إلى الله ماذا؟ فقلت: عملٌ خفيٌّ بميزانٍ وفيٍّ، فولَّى الملكُ وهو يقول: كلامٌ موفَّق والله (١).
وقال: إذا تخلَّى العبد عن الدُّنيا وما فيها فُتحت له أبوابُ المشاهدة، فيستريح من غموم الدُّنيا وما فيها، ويتنزَّه في رياض التَّوفيق، بين يديه قائدُ الحقيقة، فيكتفي بالله عمَّا سواه.
وقال:[مَنْ فتح على نفسه باب نيَّة حسنة فتح الله عليه سبعين بابًا من التوفيق، و] مَنْ فتح على نفسه بابَ نيَّةٍ سيئة فتح الله عليه سبعين بابًا من الخُذْلان من حيثُ لا يشعر.
وقال له رجل: العناية قبل البداية؟ فقال: بل قبل خلق الماء والطين.
وسئل عن قوله عليه الصلاة السلام:"حبُّك للشيء يُعمي ويُصمّ"(٢) فقال: يُعمي عن الدُّنيا، ويُصم عن الأخرى.
(١) الرسالة القشيرية ص ٤٣٠، ٤٥٥، ٤٥٧، ٤٨٨، ٥٠٧، ٥١٣، ٥٦٦. (٢) أخرجه أحمد في مسنده (٢١٦٩٤) من حديث أبي الدرداء ﵁، والصحيح أنه موقوف.