فيها قَدِمَ يوسفُ بنُ أَيُّوب الهَمَذَاني الواعظ بغداد (١)، وكان قدمها بعد الستين وأربع مئة، وتفقَّه على أبي إسحاق الشِّيرازي، وبَرَعَ في الفِقْه، وعاد إلى مَرْو، وجَلَسَ في رباطٍ يتعبَّدُ، واجتمع إليه جماعةٌ من المنقطعين إلى الله تعالى، ثمَّ عاد إلى بغداد في هذه السنة، ووَعَظَ بها، ولم يتعرَّض لمذهب الأَشْعريّ، فوقع له القَبُول، فقام إليه ابنا أبي بكر الشَّاشي، فقالا له: إن كنتَ تتكلَّم على مذهب الأَشْعريّ، وإلا فلا تتكلم. فقال: اجلسا، لا متعكما الله بشبابكما. فماتا شابَّين.
وقام إليه [رجل يقال له](٢) ابن السَّقَّاء، فآذاه في مسألة في الأُصول، فقال له: اجلس، فإنِّي أجِدُ مِنْ كلامك ريحَ الكُفْرِ، ولعلك تموتُ على غير دين الإِسلام. فاتَّفق بعد مُدَّة أنَّ ابنَ السَّقَّاء خَرَجَ إلى بلادِ الرُّوم، وتنصَّر (٣)، ومات كافرًا (٤).
وكان يوسف الهَمَذاني من الأبدال، قال: دخلتُ جَبَلَ زز لزيارة عبد الله الجوني، فوجدتُ ذلك الجبل كثيرَ المياه والأشجار، معمورًا بالأولياء، على رأس كلِّ عينٍ واحدٌ من الرِّجال مشغولٌ بالعبادة، فَطُفْتُ عليهم، ولا أعْلَمُ حَجَرًا في ذلك الجبل لم تُصبه دمعتي (٥).
(١) سترد ترجمته في وفيات سنة (٥٣٥ هـ). (٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش). (٣) نقل ابن خلكان في "وفيات الأعيان": ٧/ ٧٩ عن ابن النجار قال: كان ابن السقاء قارئًا للقرآن الكريم، مجودًا في تلاوته … نعوذ بالله من سوء القضاء. وزوال نعمته، وحلول نقمته، ونسأله الثبات على دين الإِسلام، آمين آمين آمين. (٤) انظر "المنتظم": ٩/ ١٧١. (٥) انظر "المنتظم": ١٠/ ٩٤ - ٩٥.