فيها خرج المتوكِّل من سامرَّاء لعشرٍ بقين من ذي الحجَّة يريدُ دمشق، فضحَّى (١) ببلد، [وقال أبو سليمان بن زبر: سبب قدوم المتوكل دمشق](٢) أنَّهم وَصفوا له أنهارَها وقصورَها ومستنزهاتها، فلمَّا رآها أعجبته، فنقل إليها أهله ودواوينه، وعزمَ على المُقَام بها، وشرع في بناء قصرٍ بداريا، وكان ابنُه المنتصر بسامرَّاء، ويقال: إنَّه قال ليزيد بن محمد المهلبيّ: اعملْ شيئًا يَردُّ أميرَ المؤمنين إلى العراق، فعمل:[من الوافر]
أظنُّ الشامَ تَشْمَتُ بالعراقِ … إذا عزمَ الإمامُ على انطلاقِ
فإن تدعِ العراقَ وساكنيهِ … فقد تُبلَى المليحةُ بالطَّلاق (٣)
وبعث [محمد] المنتصر بهما إلى بعضِ القيان تغنِّي بهما بين يدي المتوكِّل.
وقيل: إنَّ المنتصر زادَ فيهما: [من الوافر]
يقول محمدٌ تفديكَ نفسي … أمَّا تُبقي عليَّ من الفراقِ
فلمَّا سمعَ المتوكِّل الأبياتَ، ذكرَ العراق، فعزمَ على الرجوع، وخرجَ إلى الصيدِ فأرادَ جماعةٌ من مماليكه قتلَه، فعاد إلى سامرَّاء، [فكان خروجُه منها -كما ذكرنا- في ذي القعدة، ثم عاد إليها] في صفر سنةَ أربعٍ وأربعين [ومئتين]، وكانت غيبتُه عن العراق ثلاثةَ أشهرٍ وأيامًا.
وقال الطبريُّ: إنَّما دَخل [المتوكِّلُ] دمشق في صفر سنة أربعٍ وأربعين (٤)، لما نذكرُ إن شاء الله تعالى.
[فصل:] وحجَّ بالناس عبد الصمد بن موسى [أيضًا]، وخرجَ بالحجِّ من بغداد جعفر
(١) في (خ) و (ف): فضحك. وهو تحريف. (٢) ما بين حاصرتين من (ب). (٣) تاريخ الطبري ٩/ ٢٠٩، والمنتظم ١١/ ٣٠٥، والكامل ٧/ ٨٣. (٤) تاريخ الطبري ٩/ ٢١٠.