سمعَ صاحبُ هذه الترجمة أباه والإمام أحمد وغيرهما، وكان ثقةً (١).
[أبو غياث المكي مولى جعفر بن محمد]
قال أبو جعفر محمدُ بن جرير الطبريّ: كنت بمكَّة [في] سنة أربعين (٢)[ومئتين]، فرأيت خُرَاسانيًّا ينادي: يا معشر الحُجَّاج، من وجد هِميانًا فيه ألفُ دينار فردَّه [عليَّ] أضعفَ الله له الثواب، [قال:] فقام إليه شيخ من أهل مكَّة كبير من موالي جعفر بن محمد، فقال [له:] يا خراسانيّ، بلدُنا فقيرٌ أهلُه، ضعيف حالُه، أيَّامه معدودةٌ، ومواسمُه منتظَرة، [و] لعله يقعُ بيد رجلٍ مؤمنٍ يرغبُ فيما تبذلُه حلالًا يأخذه، ويردُّه عليك، فقال الخراسانيُّ: وكم يريد؟ فقال: عُشرهُ، مئة دينار [ويردُّه]، قال: لا أفعل، وأحيلُه على الله تعالى، وافترقا.
قال الطبري: فوقع لي أنَّ الشيخَ [صاحب القريحة، و] الواجد للهميان، وكان كما ظننت، فأتى بابًا فدخله وقال: يا لبابة، فقالت: لبَّيك يا أبا غياث، فقال: قد وجدتُ صاحب الهِميان، وأخبرها بما جرى، ثمَّ قال: ولا بدَّ من ردِّه، فقالت: نُقَاسي معك الفقر منذ خمسين سنة، ولك أربعُ بنات وأختان وأنا وأمي، وأنت تاسعُ القوم، أشبِعنا واكسُنا، فلعلَّ الله يغنيك فتعوِّضه، فقال: لستُ أحرقُ حشاشتي بعد ستٍّ وثمانين سنةً بالنار.
قال: وانصرفت، فلمَّا كان من الغد، إذا بالخراساني يقول: يا معاشر الحُجَّاج ووفد الله من [الحاضر والبادي](٣)، من وجدَ هِميانًا فيه ألفُ دينار وردَّه أضعفَ الله له الثواب، فقام الشيخ فقال: يا خراسانيّ، قد قلتُ لك بالأمس ونصحتك، وبلدنا والله قليلُ الزرع والضرع، وقلتُ لك: تدفعُ إلى واجده عشره مئة دينار، فأبيتَ، فادفع له عشرةَ دنانير، فقال [الخراساني:] لا أفعل، وأحيلُه على الله.
فلما كان اليوم الثالث قال الخراساني مثلَ مقاله الأوَّل، وأجابه الشيخ بمثل ذلك،
(١) تاريخ بغداد ٤/ ٣٢٣ - ٣٢٥، والمنتظم ١١/ ٢٨٩. (٢) وذكرت هذه القصة بطولها في النسخة (ب) عند أحداث سنة ٢٤٠ هـ- وانظر التعليق رقم (١) في أحداث تلك السنة- تحت عنوان: وجرت واقعة عجيبة حضرها الطبري. (٣) في (خ) و (ف): من الحاضرين. والمثبت من (ب).