حتى اقتصر على دينار، وقال: أشتري بنصفه قِربةً أستقي [عليها](١) الماء، وأشتري بالنصف الآخر شاة أحلبُها غداءً لعيالي (٢)، فقال الخراسانيُّ: لا أفعل، وأحيلُه على الله تعالى، فجذَبه الشيخُ وقال: تعال، خذ هِميانَكَ وأرحنَا منه (٣)، ومشى الشيخ [وتبعه](٤) الخراسانيُّ.
قال الطبري: وكنت أكتبُ كتاب "النسب" للزبير بن بكَّار فتركتُ الكتابةَ، وقمتُ فمشيت خلفهما، [فدخل الشيخ بيته، ودخل الخراسانيُّ، ودخلت خلفهما]، فأتى الشيخُ إلى الدرجة، فنبش تحتها وأخرج الهِميان، أسود من [خرق](٥) غلاظٍ بخارية، وقال: هذا هميانُك؟ قال: نعم، ففتحَه وصبَّه في حجره، وقلَّبَه وأعاده، وقام فحملَه على عاتقه، ثمَّ أراد الخروج، فلمَّا بلغَ باب الدار، رجع وقال للشيخ: يا شيخ، مات أبي، وترك ثلاثة آلاف دينار، وقال لي: أخرج ثلثها في أحقِّ الناس من الفقراء، والله ما رأيتُ منذ خرجت من خراسان إلى هاهنا رجلًا هو أحق منك بها، فخذ الهِميان، بارك الله لك [فيه]، ثمَّ خرج الخراسانيُّ، وخرجت بعدَه، فعدا أبو غياث [فلحقني](٦) وردَّني، وكان شيخًا كبيرًا معصوب الحاجبين، فقال: إلى أين؟ اجلس، فقد عرفتَ خبرنا وأتيت أوَّلَ يومٍ واليوم، وقد سمعتُ أحمد بن يونس اليربوعيّ يقول: سمعتُ مالكَ بن أنس يقول: سمعتُ نافعًا يقول: سمعتُ عبدَ الله بن عمر يقول: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول لعمر وعليّ: "إذا أتاكما الله بهديَّةٍ بغير مسألةٍ ولا استشرافِ نفسٍ فاقبلاها ولا تردَّاها"، وهذه هديَّةٌ من الله تعالى، والهديَّةُ لمن حضر، [ثم صاح:] يا لبابة ويا فلانة ويا فلانة، فحضر بناتُه وأخواتُه وزوجتُه وأمُّها، فصرنا عشرة، فحل الهِميان، وقال: ابسطوا حجوركنَّ، وما كان لهنَّ قميصٌ، وأقبلَ يعدُّ دينارًا دينارًا، فأصاب كلَّ واحدٍ مئةُ دينار، [وأعطاني مئة دينار،] وقال: إنَّه حلالٌ، فاحتفظ به.
(١) في (خ) و (ف): بها. والمثبت من (ب). (٢) في المصادر: يشتري … يستقي … ويشتري … يحلبها … لعياله. (٣) في (ب): منك. (٤) في (خ) (و (ف): ومعه. والمثبت من (ب). (٥) في (خ) و (ف): خيوط. والمثبت من (ب) والمصادر. (٦) في (خ) و (ف): خلفي: والمثبت من (ب) والمصادر.