ألهمه أن يكمل له ألف سنة ويتم لداود مئة ولا ينقص من ملكه شيء.
فإن قيل: فلمَ رأى نور داود ولم ير نور محمد ﷺ، وكان نوره أبهى من نور داود؟ قلنا: لما قضي في السَّابق أنَّ داود يوافقه في العصيان (١)، لُفِّقَت بينهما مجانسة الذَّنب في ذلك المكان، أمَّا محمد ﷺ فإنَّه قد شاهد نورَهُ على ساق العرش، فسأل الله به وتوسل إليه، فرحمه وتاب عليه.
ومن الحوادث ما ذكره مقاتل في "المبتدأ" قال: لما نزل آدم إلى الأرض اسوَدَّ جلده من حرارة الشمس، ويبس من البرد، فأوحى الله إليه: هذا بشؤم معصيتك، فَصُمْ ثلاثة أيام من كلِّ شهر، وهي أيام البيض، فصامها فابيضَّ لونه.
وقال مقاتل أيضًا: لمَّا جنَّ عليه الليل استوحش، فلمَّا طلع الفجر ألهمه الله أن صلِّ ركعتين صلاة الصبح شكرًا لله تعالى. فآدم أول من صلَّاها.
قال: وصلى إبراهيم الظهر أربعًا لما فدي ولده بالكبش، وكان وقت الظهر، وصلَّى يونس العصر لما خرج من بطن الحوت. ولما ادَّعت النصارى التثليث صلَّى عيسى المغربَ ثلاثًا: ركعتين عن نفسه، وركعة عمَّن آمن به. وصلى موسى العشاء أربعة ليلةَ الطُّور لما كلَّمه الله تعالى.
قلت: والأصحُّ أنَّ الصلوات الخمس إنَّما صلَّاها رسول الله ﷺ، ورتَّبها على هذا الوجه، وروايات مقاتل فيها مقال معروف.
فصل في نبوَّة آدم ﵇
قال ابن سعد عن أبي ذرٍّ قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الأنبياءِ أوَّلُ؟ قال:"آدَمُ" قُلتُ: أَوَنَبِيًّا كان؟ قال:"نعم، نَبيٌّ مُكَلَّم"(٢).
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: أنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة، أملاها عليه جبريل، وكتبها آدم بخطِّه بالسُّريانيَّة، وكانت لغته في الجنة العربية، فلما عصى وأهبط إلى الأرض تكلَّم بالسُّريانيَّة (٣). قال: وفرض عليه في اليوم والليلة خمسين ركعة،
(١) ينظر ما سيورده المصنف من محنته ﵇ في ٢/ ١٦١ وما بعدها. (٢) "الطبقات الكبرى"١/ ٣٢، ٥٤، وهو عند أحمد في "مسنده" (٢١٥٤٦). (٣) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ٧/ ٤٠٧.