رأت امرأة من جيرانه كأنَّ حُلَلًا فُرِّقَتْ على أهل مسجدهم (١)، فلما انتهى الذي يُفرِّقها إلى محمَّد بن جُحادة؛ دعا بسَفَطٍ، فأخرجَ منه حُلَّةً صفراء. قالت: فلم يقم لها بصري، فكساه إياها وقال له: هذه لك بطول السَّهَر. قالت المرأة: فواللهِ لقد كنتُ أراه بعد ذلك، فأتخايلُها عليه (٢).
مَسْلَمَةُ بنُ عبد الملك
ابن مروان، وكنيتُه أبو سعيد (٣)، وقيل: أبو الأصبغ.
وكان شجاعًا جوادًا صاحب همَّة وعزيمة، وله غَزَوات كثيرة من أول ولاية أَبيه عبد الملك إلى هذه السنة. وقد ذكرنا منازلتَه القسطنطينية، وبلادَ الخُوارزم، واللَّان، والعراق، وغيرَها، و [قد] كان جديرًا بالخلافة، وإنَّما زَوَى بنو أمية عنه الأمر؛ لأنَّ أمَّه أمَةٌ، وما كانوا يرون إلَّا ولايةَ أولاد الحرائر، ويُسمُّون بني الإماء الهُجَناء.
وقال الأصمعيّ: سابقَ عبدُ الملك يومًا بين مَسْلَمة وسليمانَ ابنَيه، فسبق سليمانُ، فقال عبد الملك:
وما يستوي المرءانِ هذا ابنُ حُرَّةٍ … وهذا ابنُ أُخرى ظهرُها متشرِّكُ
وتَرْعَشُ عَضْدَاهُ ويضعفُ صوتُهُ (٤) … وتَقْصُرُ رجلاه فلا يتحرَّكُ
وأدرَكْتَهُ خالاتُه فَنَزعْنَهُ … ألا إنَّ عِرْق السَّوْءِ لا بدَّ يُدْرِكُ (٥)
فقال مسلمة: يَا أمير المُؤْمنين، ما هذا قال حاتم الطَّائيّ. قال: فما الذي قال: فأنشد مسلمة:
(١) في (ب) و (خ): المسجد. والمثبت من (د) وهو موافق لما في "صفة الصفوة" ٣/ ١١١. (٢) المصدر السابق. ولم ترد هذه الترجمة في (ص). (٣) في (ب) و (خ) و (د): بن مروان أبو شاكر وقيل: أبو سعيد … وهو خطأ، فأبو شاكر هو مسلمة بن هشام بن عبد الملك، والمثبت من (ص) وهو الصواب. وينظر "تاريخ دمشق" ٦٧/ ١٥١ و ١٩٠ (طبعة مجمع دمشق). (٤) في "العقد الفريد" ٦/ ١٣٠: وتضعف عضداه ويقصُرُ سَوْطُهُ، وفي "التذكرة الحمدونية" ٧/ ١٨٣: فتضعف ساقاه وتفترُ كفُّه، وفي "معجم الشعراء" للمرزباني ص ٦٦: فيفتُر كفَّاه ويسقط سَوْطُهُ. (٥) نُسبت الأبيات في "العقد" للأعور الشّنّي، وفي "التذكرة" لبعض بني عبس، ونسبه المرزباني لعمرو بن مُبْرد العبدي.