الباب الثاني والثلاثون: في ذكر عيشه وفقره وقِصَر أمله ونحو ذلك
[قال أحمد بإسناده عن] قتادة قال: كنَّا نأتي أنسًا وخبَّازه قائم، فقال لنا ذات يوم: كلوا فما أعلمُ أنَّ رسولَ الله ﷺ رَأى رَغيفًا مرقَّقًا بعينَيْه، ولا أكلَ شاةً سَمِيطًا قطُّ (١). ["السميط": المسموط عليه جلده، وهو من مأكول المترفين].
وروى البخاري: لم يأكل رسولُ الله ﷺ على خِوانٍ قطُّ، ولا في سُكُرُّجَةٍ، ولا خُبز له خبز مرقق. [قال: فقال قتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر](٢).
وقال أنس: قد رهَنَ رسولُ الله ﷺ درعًا له عند يهودي بالمدينةِ، وأخَذَ منه شعيرًا لأهلِه. قال: ولقد سمعته ذاتَ يومٍ يقول: "ما أَمْسَى عندَ آلِ محمدٍ صاعٌ من برًّ أو حبًّ"، وإنَّ عندَه تسعُ نسوةٍ يومئذٍ. انفرد بإخراجه البخاري (٣).
وقال ابن عباس: قُبض رسولُ الله ﷺ وإنَّ درعه مرهونةٌ عند يهودي على ثلاثين صاعًا من شعيرٍ أَخذها رِزقًا لأهله (٤).
[وقال أحمد بإسناده] عن أنس: أنَّ فاطمةَ ﵍ ناوَلَت رسولَ الله ﷺ كِسْرَة من خُبزِ شَعيرٍ، فقال:"هذا أَولُ طعامٍ أَكَله أَبوكِ منذُ ثلاثةِ أَيامٍ"(٥).
[وأخرجه محمد بن سعد عن هشام بن عبد الملك، وفيه]: فقال رسول الله: "يا بنية، ما هذه الكسرة؟ " فقالت: قرص خبزته. فلم تطب نفسي أن آكله، وذكره (٦). وفيه قال أنس: وكان رسول الله ﷺ يشدُّ صُلبه بالحجر من الغَرَث (٧). وما كان طعامُهم إلاَّ الأسودان الماءُ والتمرُ (٨). [و"الغرث": الجوع، فإن قيل: فلم سمي الماء والتمر أسودان؟
(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٢٢٩٦) وهو في البخاري (٥٤٢١)، والسَّميط: المشويّ، فعيل بمعنى مفعول. النهاية (سمط). (٢) أخرجه البخاري (٥٤١٥). (٣) أخرجه البخاري (٢٠٦٩). (٤) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢١٠٩). (٥) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٣٢٢٣). (٦) "الطبقات" ١/ ٣٤٤. (٧) "الطبقات" ١/ ٣٤٤ من حديث أبي هريرة ﵁. (٨) أخرجه أحمد في "مسنده" (٩٢٥٩) من حديث أبي هريرة ﵁.