ذكره أبو الحسين الرَّازيُّ في أمراء دمشقَ في أيَّام المعتمِد على الله، وكان (٢) مَهيبًا شجاعًا، أَمِنَت الطُّرق في أيَّامه والحُجَّاج، وجعل الشَّامَ مثلَ المَهْد.
[وحكى الحافظ (٣) عن أبي الحسين الرَّازي قال:] بعث [أماجورُ] مرَّةً جنديًّا إلى أذرِعات في رسالةٍ، فنزل اليرموكَ، فصادف أعرابيًّا في قرية، فجلس الجنديُّ [إليه، فمدَّ الأعرابي يدَه، فنتف من سِبال (٤) الجنديِّ] خَصلتين، وعاد الجنديُّ إلى دمشقَ، وبلغ الخبرُ أماجورَ التركيَّ، فدعاه وسأله عن القصَّة فاعترف، فأمر بحبسه، ثمَّ استدعى بمعلِّم الصِّبيان، فأعطاه مالًا وقال له: اذهبْ إلى المكان الفلانيِّ وأَظْهِرْ أنَّك تعلِّم الصِّبيان، ولابدَّ أن ترى الأعرابيَّ هناك، فإنْ رأيتَه فشاغِلْه، وأعطاه طيورًا، وقال: عرِّفني الأخبارَ يومًا بيوم، فخرج الرجلُ وأتى إلى القرية، فجلس يعلِّم الصِّبيان ستَّة أشهر، ويبحث عن الأعرابي حتَّى عرفه، وجاء الأعرابي، فقال المعلِّم لأهل القرية: شاغلوه، وأطلق الطيورَ إلى دمشقَ، فركب أماجورُ بنفسه من دمشقَ إلى اليرموك [في] يومٍ واحد، وأحاط بالقرية، وأخذ الأعرابيَّ مَكتوفًا معه، فلمَّا دخل دمشقَ أحضره وقال: ما حملك على أنْ رأيت رجلًا من أولياء السُّلطان في قريةٍ، ما تعرَّض لك أن تنتفَ سِباله؟ قال: كنتُ سَكرانًا لم أعقل، فأمر بنتفِ كلِّ شعرةٍ فيه من أجفانه [وحاجبيه] ولحيته ورأسه، فما ترك عليه شعرة [إلا نتفها]، وضربه ألف سوط، وقطع يديه ورجليه، ثمَّ صلبه، وأخرج الجنديَّ من الحبس، فضربه مئةَ سوطٍ، وطرده عن الخدمة، وقال: أنت ما دافعتَ عن نفسكَ، فكيف تدافعُ عنِّي لو احتجتُ إليك؟
[قال الرازيُّ:] ولمَّا مات أماجور رُئيَ في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي. فقيل: بماذا؟ قال: بحفظي طُرُقات المسلمين والحُجَّاج.
(١) ذكر الأبيات ابنُ العديم في بغية الطلب ٢/ ٧٠٦، والصفدي في "الوافي بالوفيات" ٦/ ٢١٠. (٢) في (خ) و (ف): أماجور التركي: أمير دمشق في أيام المعتمد كان. . .، والمثبت من (ب). (٣) في تاريخ دمشق ٣/ ٨٩. (٤) السِّبال: ما ظهر من مقدَّم اللحية بعد العارضين. اللسان (سبل).