فصارت كلّها مسجدًا، فيحتمل أن معنى قوله ﷺ"صلاةٌ في مسجدي"؛ تَرغيبٌ في الصلاة فيه، فأما إذا زِيَد فيه، فإنَّ الزائدَ يَصير تبَعًا، فيكون له حُكْمُ الكُلَّ؛ لأن بَركتَه ﷺ تعمُّ الدنيا بأسرِها، ألا ترى أن عمر وسَّع في المسجدِ الحرامِ، والصلاةُ فيه في الفضيلةِ سواءٌ (١).
وقال الواقدي: صلّى عثمان بمنى ومكَّةَ وعرفة أوَّل خلافته ركعتين ركعتين، حتى إذا كانت السنة السادسة من خلافتهِ صلّى أربعًا، فعاب الناسُ عليه ذلك، وهذا ثامنُ أمرٍ عابوه عليه، قال: وجاءه عليٌّ فقال: ما هذا؟ ما حَدَث أمرٌ ولا قَدُم عَهدٌ، وقد صلَّينا هاهُنا مع النبي ﷺ وأبي بكرٍ وعمر ركعتين، وفعلتَه صَدرًا من خلافتك، فلمَ أحدثتَ هذا؟ فقال: رأيٌ رأيتُه، فقال: بئس ما رأيتَ.
وجاءه عبد الرحمن بنُ عوف فأغلظ له، فقال: إني اتَّخذتُ بمكة أهلًا، ولي بالطائف مالٌ، وربما أقمتُ بعد الصَّدَرِ، فقد صرتُ من أهلها، وإن حُجّاجَ اليمنِ قالوا في العام الماضي: الصلاةُ للمقيمِ ركعتان، وهذا إمامكم يُصَلِّي ركعتين وهو مقيمٌ، فقال له عبد الرحمن: لا عُذْرَ لك فيما ذكرتَ.
وأما أهلُ اليمنِ فقد ضرب الإسلام بجِرانِه، وفعل رسول اللَّه ﷺ ذلك، وكان الناس حينئذٍ قليلًا، ولم يَفهموا ما قال رسولُ اللَّه ﷺ حتى بيَّنه بفعلهِ وقولهِ:"أتِمُّوا صلاتكم فإنا قومٌ سَفْرٌ"(٢).
وأما قولُك: إنك صِرتَ من أهلِ مكَّةَ، فلست من أهل مكة، زوجتك بالمدينة،
(١) من قوله: وذكر جدي. . . إلى هنا ليس في (خ) و (ع)، والحديث أخرجه أحمد (١٤٢٦٤)، والبخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١) عن جابر ﵁. (٢) أخرجه الطيالسي (٨٤٠) و (٨٥٨)، وأبو داود (١٢٢٩)، وابن خزيمة (١٦٤٣)، والبيهقي في السنن الكبرى ٣/ ١٥٤ من حديث عمران بن حصين ﵁.