أحدهما: أنها توفيت بعده، فقال السُّدي عن أشياخه: توفيت بعده بست سنين. وكذا قال ابن عباس وغيره.
والثاني: أنها توفيت قبله، فرُويَ أن عيسى كان لا يأكل إلا من غزلها إذا لم يكن زمان اللّقاط، وكانا يصومان الدهر، فجاء ليلةً عند الإفطار وهي نائمة قد ماتت، فناداها: يا أُماه، قد أفطر الصائمون، أما آن لك أن تفطري، فأوحى الله إليه أنها قد توفيت، فسَلْها تجيبك، فقال: يا أماه، فقالت: لبيك يا بني، فقال: كيف وجدت الموت؟ فقالت: يابني، والله لو وقعت عليَّ جبال الدنيا لكان أهون عليَّ من الموت. والقول الأول أشهر.
وكان سنها يوم ماتت نيفًا وخمسين سنة (١)، وقيل أقلُّ من ذاك.
وقال السُّدي: حملت به وهي بنت ثلاث عشرة سنة، ورفع وهو ابن ثلاثين، وعاشت بعده ست سنين (٢). ومن قال: حملت به وهي بنت خمس عشرة (٣) سنة قارب الحساب (٤). ودفنت بالجسمانية (٥) شرقي بيت المقدس عند قبر داوود ﵇.
وقال علماء السير: ولما رفع عيسى انقطع الوحي بعده ووقعت الفتوة حتى بعث نبينا ﷺ.
وقال وهب: كان بين عيسى ونبينا ﷺ أربعةٌ من الأنبياء، ثلاثة منهم ذكروا في قوله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤]. والرابع: خالد بن سنان العبسي (٦). وسنشير إليهم في الفترة إن شاء الله تعالى.
(١) انظر تاريخ دمشق ٣٨٧ (تراجم النساء)، و"المنتظم" ٢/ ٤١. (٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٤٠٦. (٣) في (خ): "ثلاث عشرة". (٤) انظر "التبصرة" ١/ ٣٥٤. (٥) يعني: كنيسة الجسمانية ببيت لحم. انظر ما تقدم في الصفحة ١٨٠ و ٢٤٤. (٦) انظر "المنتظم" ٢/ ٣٨.