عاش ثلاث مئة سنة (٣)، وأدرك الإسلام، وأسلم، وقصد معاويةَ بالشام، فقال له: كيف وجدتَ الدنيا؟ فقال: يوم كيوم، وليلة كليلة. فقال له معاوية: ما أحسنُ الأشياءِ في عينك؟ قال: عينٌ خرَّارة في أرضٍ خَوَّارة. قال: ثم ماذا؟ قال: فَرَسٌ في بطنها فَرَس. قال: أَقِمْ عندنا. قال: إن أبي وأمي هلكا في مثل هذه السنة، ونفسي تحدِّثُني أني هالك فيها، فلا حاجة لي في المُقام عندك. فقال له معاوية: سلني حاجتَك. فقال: أمَّا الآخرةُ فإنَّها بيد غيرك، وأمَّا الدُّنيا فما تقدرُ على ردِّ شبابي، فما أسألُك؟ فقال: هل رأَيتَ حَرْبًا؟ يعني جدَّه. قال: رأيتُ أميةَ أعمى (٤) يقودُه غلامٌ له يقال له: ذكوان. فقال: لا تقل هذا، فإنَّهم سادةُ الحيّ. فقال: قد قلتُ ما رأيتُ، فقُلْ أنتَ ما شئتَ (٥).
[عمرو بن عامر السلمي]
دخل على معاوية وهو شيخ كبير يُرْعَشُ، فقال له معاوية: كيف تجدُك يا عمرو؟ فقال: أحببتُ (٦) النساء وكنَّ الشفاء (٧)، وفقدتُ المَطْعَمَ وكان المَنْعَم، وثقُلْتُ على وجه الأرض، وقَرُبَ بعضي من بعض، فنومي سُبات، وفهمي هَفَوات (٨)، وسمعي تارات. قال: فهل قلتَ في ذلك شعرًا؟ قال: نعم، فأنشده:
(١) أنساب الأشراف ٤/ ٥٤. (٢) تحرف "عبيد" في (ب) و (خ) إلى: "عسل"، والترجمة ليست في (م). (٣) هذه رواية الكلبي ذكرها ابن عساكر، وذكر في رواية أخرى أنه عاش مئتين وعشرين سنة، والله أعلم بصحة ذلك. تاريخ دمشق ٤٥/ ٤٢ - ٤٣ (طبعة مجمع دمشق). (٤) في (خ): عمي. وسلف مثل هذه القصة في ترجمة ثوب بن تلدة ص ٨٣، والله أعلم. (٥) تاريخ دمشق ٤٥/ ٤٢ - ٤٣ (طبعة مجمع دمشق). (٦) في "الإصابة" ٧/ ٢٧٩: اجْتَنَبْتُ. وهو الأشبه (وقد ذكره ابن حجر فيه في القسم الثالث من حرف العين). (٧) في (ب) و (خ): للسفاد. والمثبت من المصدرين السابقين. والترجمة ليست في (م). (٨) ويمكن أن تُقرأ أيضًا في النسختين (ب) و (خ): هنوات. وفي "تاريخ دمشق" ٥٥/ ٢٧٢: هنات.