فغنَّيته بأبيات الجارية، فدعا بكيسٍ فيه ألفُ دينار فأعطاني إياه، ثم قال: أَعِدْه، فأَعدته، فأعطاني ألفَ دينار، ثم قال أَعِده، فأعدته، فأَعَّطَاني ألفًا أخرى، فتبسَّمت، فقال: ممَّ تتبسَّم؟ فحدَّثته الحديث، فعجب، وأمر لي بدارٍ وفرس وخيلٍ وخدم وأثاثٍ ووصائف، فأصبحت أغنى الناس. قلت: حكايةٌ طويلة اختصرتُها] (١).
بُهلول المجنون (٢)
من أهل بغداد، كان يأوي إلى المقابر [ووعظ الرشيدَ في سنة ثمانٍ وثمانين وهو يريد الحجّ، وقد ذكرناه.
وكان له كلامٌ حسن وإشاراتٌ عجيبة. حدثنا جدِّي ﵀ بإِسناده عن] سريٍّ السَّقطي قال (٣): خرجتُ يومًا إلى المقابر، فرأيتُ بُهلولًا قد دلَّى رجلَيه في قبرٍ وهو يلعب بالتُّراب، فقلت له: أيَّ شيءٍ تصنع هاهنا؟ فقال: أنا عند قومٍ لا يؤذونني، وإن غبتُ عنهم لا يغتابونني، فقلت له: لا تكون جائعًا؟ فقال:[من الطويل]
تجوَّع فإنَّ الجوع من عَلَم التُّقى … وإنَّ طويل الجوعِ يومًا سيشبعُ
فقلت له: إنَّ الخبز قد غلا، فقال: واللهِ ما أبالي ولو بلغَتْ كلُّ حبةٍ مثقالًا، علينا أن نعبدَه كما أَمر، وعليه أن يرزقَنا كما وعد، ثم ولَّى وهو يقول:[من الرمل]
أُفٍّ للدنيا فليست لي بدارٍ … إنما الراحة في دار القرارِ
أبَتِ الساعات إلا سرعةً … في بِلَى جسمي بليكٍ أو نهار
وفي رواية: أَنشد (٤): [من البسيط]
يا مَن تمتَّع بالدنيا وزينتِها … ولا تنام عن اللذَّات عيناهُ
أَفنيتَ عمْرك فيما ليس تدركهُ … تقول لله ماذا حين تلقاه
[فيها توفي
(١) وهي مختصرة جدًّا في (خ)، والمثبت من (ب)، وانظرها بطولها في الأغاني ٦/ ٣١١ فما بعد، والفرج بعد الشدة ٣/ ٥ فما بعد. (٢) المنتظم ٩/ ٢٠٢، صفة الصفوة ٢/ ٥١٦، تاريخ الإسلام ٤/ ٨١٦. (٣) في (خ): قال سري السقطي. (٤) في (خ): وقال. وكلا الروايتين في صفة الصفوة ٢/ ٥١٦ - ٥١٧.