فيها سار المأمونُ من بغدادَ طالبًا الغزوَ لبلاد الرومِ لثلاثٍ بقينَ من المحرَّم، واستخلف على بغدادَ إسحاقَ بن إبراهيمَ بنِ مصعب، وولَّاه مع ذلك السَّوادَ وحُلوانَ وكُوَرَ دِجلة.
[ولمَّا لبس درعَه بكت جاريةٌ له، وقد ذكر قصَّتَها جعفرٌ السرَّاج في "مصارع العُشَّاق"(١)، حدَّثنا أبو محمدٍ عبدُ العزيز بن دُلَفٍ القارئ قال: أَخبرتنا شُهْدة الكاتبةُ بإسنادها (٢) إلى يحيى بن أبي حمَّاد، عن أبيه قال:] وُصفت للمأمون (٣) جاريةٌ بكلِّ ما توصَف به امرأةٌ من الكمال والجمال، فبعث لشرائها، فأُتي بها في وقت خروجِه [إلى بلاد الروم] فلمَّا همَّ ليلبَسَ دِرعَه خطرت بباله فأمر فأُخرجت إليه، فلمَّا نظر إليها أُعجب بها وأُعجبت به، وقالت: ما هذا؟! فقال: أريد الخروجَ إلى بلاد الروم، فقالت: قتلتَني [يا سيِّدي] وحدرت دموعَها [على خدِّها كنظام اللؤلؤ، وأنشأتْ تقول](٤): [من الوافر]
سأدعو دعوةَ المضطرِّ رَبًّا … يُثيب على الدُّعاءِ ويستجيبُ
لعلَّ اللهَ أنْ يكفيكَ حربًا … ويَجمعَنا كما تهوى القلوب
فضمَّها المأمونُ إلى صدره وأنشأ [متمثِّلًا] يقول: [من الطويل]
فيا حُسنَها إذ يغسل الدمعُ كُحلَها … وإذ هي تُذرِي الدمعَ منها الأناملُ
صبيحةَ قالت في العِتاب قتلتَني … وقَتْلي بما قالت هناك تحاول (٥)
ثمَّ قال لخادمه مسرور: احتفظْ بها وأَكرِم مَحَلَّها، وأصلحْ لها كلَّ ما تحتاج إليه من
(١) ٢/ ١٧٥. وما بين حاصرتين من (ب). (٢) شيخها في هذه القصة جعفر السراج صاحب مصارع العشاق. انظر المنتظم ١٠/ ٢٦٦. (٣) في (خ): وكان قد وصف للمأمون. (٤) في (خ): وقالت. وما بين حاصرتين من (ب). (٥) البيتان لجميل بثينة، وهما في ديوانه ص ١٥٨ - ١٥٩.