وقال ابن سعد بإسناده عن إبراهيم، عن علقمة قال: قَدِمتُ الشام، فدخلتُ المسجد، فجلستُ إلى أبي الدَّرداء، فقال: مَن الرجل؟ قلتُ: من أهل الكوفة، قال: أليس فيكم صاحبُ السِّرِّ الذي كان لا يَعلَمه غيرُه، يعني حُذيفة.
وقال ابن سعد بإسناده عن أبي البَختَري، عن حذيفة قال: إن أصحابي تَعلّموا الخير وإني تَعلّمتُ الشرّ، قال: وما حَملك على ذلك؟ قال: إنه مَن تعلم مكان الشرّ يَتَّقِه.
وفي رواية ابن سعد أيضًا، عن حذيفة قال: كان الناس يَسألون رسولَ الله ﷺ عن الخير، وكنتُ أسألُه عن الشرّ، فقلتُ له: يا رسول الله، إنا كنا في شرٍّ فجاءنا الله بالخير، فهل بعد الخير شرّ؟ قال:"نعم"، قلتُ: هل وراء الشر خيرٌ؟ قال:"نعم"، قلت: فكيف يكون؟ قال:"سيكون بعدي أئمّةٌ لا يَهدون بَهدْيي، ولا يَستنون بسُنَّتي، وسيقوم رجالٌ قلوبُهم قلوبُ شياطين في جُثمان إنسان". قال فقلت: فكيف أصنع إن أدركَني ذلك؟ قال:"اسمع للأمير الأعظم وأطع، وإن ضرب ظهرَك وأخذ مالك"(١) وقد أخرجاه في "الصحيحين" بمعناه (٢).
وروى ابن سعد عن الواقدي قال: لم يُخبر رسول الله ﷺ بأسماء المنافقين الذين نَخسوه ليلةَ العَقبة إلا حذيفة (٣). وقد ذكرناه.
[ذكر ولاية حذيفة المدائن]
وقال ابن سعد بإسناده عن محمد بن سيرين، قال: كان عمر بن الخطاب إذا بعث عاملًا كتب في عهده أن: اسمعوا وأطيعوا ما عَدل عليكم، فلما استعمل حُذيفة على المدائن كتب في عهده أن: اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم.
قال: فخرج حُذيفة من عند عمر على حمار مُوكفٍ، وعلى الحمار زادُه، فلما قدم المدائن استقبَلَه أهلُ الأرض والدَّهاقين، وبيده رغيفٌ وعَرْق لحم، على حمارٍ على إكاف، فقرأ عهدَه عليهم، فقالوا: اسألْنا ما شئتَ، قال: أسألكم طعامًا آكله، وعَلفَ حماري هذا مرّتين ما دمتُ فيكم.
(١) الأخبار الثلاثة في طبقات ابن سعد ٤/ ٢٥١ - ٢٥٢. (٢) صحيح البخاري (٣٦٠٦)، وصحيح مسلم (١٨٤٧). (٣) طبقات ابن سعد ٤/ ٢٥٣.