[فصل في معجزاته]
قال علماء السِّير: معجزاته كثيرة منها تَسخير الشياطين له، قال ابن عباس: بنوا له مُدنًا كثيرة منها تَدْمُر وبَعْلَبَك، وفيها يقول النَّابغة:
إلا سُلَيمانُ إذْ قال المَليكُ لَهُ … قُمْ في البَريَّةِ فاحْدُدْها عن الفَنَدِ
وخيِّسِ الجنَّ إني قَدْ أَمَرْتهمُ … يَبْنُون تَدْمُرَ بالصُّفَّاحِ والعَمَد (١)
وقال الجوهري: الصُّفَّاح - بالضم والتشديد -: الحجر العريض (٢). وقيل: الرخام الأبيض والأصفر. وقال السُّدي: لا يختلفون أنه بنى تَدْمُر، وفي بَعْلَبَك خلاف، وبنى قلعة سليمان بخُراسان والأُبُلَّة، والسّوس، وإِصْطَخْر.
وقال الثعلبي: وُجدَت في صخرة منقورة بأرض كَسْكَر هذه الأبيات:
ونَحْنُ ولا حَوْلٌ سوى حَوْل رَبِّنا … نَروحُ إلى الأوطانِ من أَرض تَدْمُرِ
إذا نَحْنُ رُحْنَا كان رَيْثُ رَوَاحِنَا … مَسيرةَ شَهْرٍ والغدوُّ لآخَرِ
أُنَاسٌ شَرَوا لله طَوْعًا نفوسَهُم … بنَصْر ابنِ داود النَّبيِّ المطهَّرِ
لَهُم في مَعَالي الدِّين فَضْلٌ وَرَأفةٌ … وإنْ نُسِبُوا يومًا فهمْ خيرُ مَعْشَرِ
متى يَرْكَبُوا الرِّيحَ المطيعةَ أَسْرَعتْ … مبادرةً من شَهْرِها لَمْ تُقَصِّرِ
يُظِلُّهُم طيرٌ صُفُوفًا عَلَيْهمُ … متى رَفْرَفَتْ مِنْ فَوْقِهم لم تَفَتَّرِ (٣)
وأمر زوبعة فبنى باليمَن حِصن سَلْحِين وصِرْوَاح ومِرْوَاح وبَيْنُوْن وهند وهُنَيْدة ومبلوم.
ولما مات سليمان صاح صائحٌ من السماء بعد سنة في الليل: يا معاشر الجِنّ والشياطين مات نبيُّ الله سليمان فارفعوا أيديكم، فعمدت الشياطين إلى حجر وكتبوا عليه بالمسند أسماء الحصون الي بنوها وتفرقوا.
وقال جدي ﵀ في "التبصرة": وكانت الشياطين تغوص في البحار
(١) البيتان في ديوانه: ص ٣٣، و"الفند" الخطأ في الرأي والقول، و"خيس": ذلل.
(٢) "الصحاح": (صفح).
(٣) "عرائس المجالس" ص ٣٠٥.