وقال: العارفُ همُّه ما يُؤمِّل، والزاهدُ همُّه ما يأكُل.
وقال: السنَّةُ ترك الدنيا، والفريضةُ الصحبةُ مع المولى (١).
وسُئِل عن الزهد فقال: ليس له منزلة، ثمَّ ذكر ابتداءَ زهده فقال: كنتُ في الزهد ثلاثة أيام، ففي اليوم الأوَّلِ زهدتُ في الدنيا وما فيها، وفي اليوم الثاني زهدتُ في الآخرة وما فيها، وفي [اليوم] الثالث زهدتُ فيما سوى الله، فلمَّا كان في اليوم الرابع لم يبق لي شيءٌ سوى الله، فهتف بي هاتف؛ يا أبا يزيد، إنَّك لا تقوى معنا، فقلت: هذا الذي أردت، فقال: وَجدتَ وجدتَ (٢).
وقال: دعوتُ نفسي إلى طاعة [الله]، فأبت عليّ، فمنعتُها شربَ الماء سنة.
وقال: إنَّ لله تعالى شرابًا يسقيه في الليل قلوبَ أحبابه، فإذا شربُوه طارت قلوبهم في الملكوت الأعلى حبًّا لله تعالى وشوقًا إليه، ثمَّ أنشد: [من الوافر]
غرستُ الحبَّ غرسًا في فؤادي … فلا أسلُو إلى يوم التنادي
جرحتُ القلبَ منِّي باتِّصالٍ … فشوقي زائدٌ والحبُّ بادي
سقاني شربةً أحيا فؤادِي … بكأسِ الحبِّ من بحر الودادِ
فلولا الله يحفظُ عارفيه … لهام العارفونَ بكلِّ وادي (٣)
[قال:] وسألَه بعضُ أصحابه عن التوكُّل، فقال له: ما تقول أنت [فيه]؟ فقال: إنَّ أصحابَنا يقولون: لو أنَّ السباعَ والأفاعي عن يمينك وشمالك ما تحرَّك سرُّك لذلك.
قال أبو يزيد: هذا قريبٌ، ولكنِّي أقول: لو أنَّ أهل الجنَّة في الجنة يتنعَّمون، وأهلَ النار في النار يعذَّبون، ثمَّ وقع لك تمييزٌ بين الفريقين، لخرجتَ من التوكُّل (٤).
[قال: ورأى أبو يزيد رجلًا يسوقُ حمارًا، فقال: ما حِرْفتُك؟ فقال: خربنده (٥).
(١) مناقب الأبرار ١/ ١٨٩، وطبقات الصوفية ص ٧٤.
(٢) مناقب الأبرار ١/ ١٨٩ - ١٩٠، والرسالة القشيرية ص ٧٣.
(٣) مناقب الأبرار ١/ ١٩١. وذكر الأبيات ابن الملقن في طبقات الأولياء، ص ٤٠١ - ٤٠٢.
(٤) مناقب الأبرار ١/ ١٩٢، والرسالة القشيرية ص ٢٧١.
(٥) أي: حارس الحمار. المعجم الذهبي ص ٢٣٥.