[وحكى الخطيبُ عن سعيد بن عثمان قال: سمعتُ سريًّا يقول:](١) غزونا بلدَ الروم، فمررتُ بروضةٍ خضراء فيه خُبَازى (٢) وحجرٌ منقور فيه ماء المطر، فقلت فِي نفسي: لئن كنت أكلتُ حلالًا فاليوم، فنزلتُ عن الدابَّة وسيبتها، وأكلتُ من الخُبَازى، وشربتُ بيدي من الحجر المنقور، فهتفَ بي هاتفٌ: هب أنَّك اليوم أكلتَ حلالًا، فالنفقةُ التي بلَّغتْكَ إلى ها هنا من أين؟!
[وحكى الخطيب عن الحسن المُسُوحي قال:](٣) دفع إليَّ سريٌّ قطعةً، وقال: اشْتري [لي] بها باقلاء ممَّن قِدْرُه داخل [الدكان أو] الباب، فطفتُ الكَرْخَ كلَّهُ، فلم أجد إلَّا من قِدْره خارج الباب، فرجعتُ إليه فأخبرتُه، وقلت: خذْ قطعتَك، فإني ما وجدتُ إلَّا من قِدْره خارج الباب (٤).
قال المصنف ﵀(٥): وإنَّما قال سريٌّ ذلك؛ لأنَّ قدورَ أصحاب الباقلَّاء إذا كانت خارجَ الباب كانت فِي طريق المسلمين، فتورَّعَ سريٌّ عن ذلك.
[وحكى الخطيب عن الجنيد قال:](٦) قال سريّ: ما أحبُّ أنْ أموتَ حيث أعرف، أخافُ أن لا تقبلني الأرض، فأفتضح، وإني لأنظرُ إلى أنفي كلَّ يومٍ مرتين مخافةَ أن يكون قد اسودَّ وجهي (٧).
وقال سريّ: إنِّي لأنظرُ فِي المرآة كلَّ يوم مرارًا؛ مخافةَ أن يكون قد اسودَّ وجهي (٨) لما أتعاطاه، وأشتهي أن أُدفَن فِي غير بغداد؛ أخافُ أن لا تقبلني الأرضُ، فأفتضح.
[وحكى عنه فِي "المناقب" أنَّه قال:] (٩) لي منذ ثلاثين سنة أشتهي أنْ أغمسَ جزرةً
(١) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال سري ﵁. (٢) الخبازى: جنس نبات منه نوعٌ يطهى ورقه فيؤكل. المعجم الوسيط (خبز). (٣) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال الحسن التنوخي. (كذا). (٤) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٦٥. (٥) فِي (ب): قلت. (٦) ما بين حاصرتين من (ب)، وفي (خ) و (ف): وقال الجنيد. (٧) حلية الأولياء ١٠/ ١١٦، ومناقب الأبرار ١/ ١٥٠، وصفة الصفوة ٢/ ٣٧٦. ولم أقف عليه فِي تاريخ بغداد. (٨) من قوله: وقال سري إني لأنظر … إلى هنا ليس فِي (ب). (٩) ما بين حاصرتين من (ب)، والخبر فِي مناقب الأبرار ١/ ١٥٤.