فأخبرَ الفتحُ المتوكِّل، فأمرَ له بألف ألف درهم.
ودخل عليُّ بن الجهم على المتوكِّل، وبيده دُرَّتان يقلِّبهما، فأنشدهُ أبياتًا منها: [من مجزوء الكامل]
وإذا مَرَرْتَ ببئر عُر … وة فاسقني من مائِها (١)
فدحَا إليه الدُّرةَ التي كانت في يمينه، فقلَّبها ابنُ الجهم، فقال له المتوكِّلُ: تستنقصُ، وهي خير من مئة ألف؟! فقال: لا، ولكن فكرت في أبياتٍ أعملُها لأجل التي في يسارك، قال: قل، فقال: [من مخلع البسيط]
بِسُرَّ من رَا إمامُ عَدْلٍ … تغرفُ من جوده البحار (٢)
يُرْجَى ويخْشَى لكلِّ خطبٍ … كأنَّه جنَّةٌ ونارُ
الملكُ فيه وفي بنيه … ما اختلفَ الليلُ والنهارُ
يداه في الجود ضَرَّتانِ … عليه كلتاهما تَغَارُ
لم تأت منه اليمين شيئًا … إلا أتت مثلَها اليسارُ
فدحا إليه التي في يساره، ويقال: إنَّ الأبياتَ للبحتريِّ (٣) في المتوكِّل (٤).
[وحكى الخطيب عن] (٥) الفتح بن خاقان: دخلتُ يومًا على المتوكِّلِ وهو مطرقٌ يتفكَّر، فقلت: ما هذا الفكر يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما على وجه الأرض أطيبُ عيشًا منك، ولا أرخى بالًا، فقال: بلى يا فتح، أطيبُ عيشًا منِّي مَنْ له دارٌ واسعة، وزوجةٌ صالحةٌ، ومعيشةٌ حاضرةٌ، لا يعرفُنا فنؤذيه، ولا يحتاج إلينا فنزدريه (٦).
وكان المأمون يقول (٧): الخليفةُ بعدي في اسمه عين، فكان المعتصم، ثم يقول: وبعدَه هاء، فكان الواثق، واسمه هارون، ثمَّ قال: وبعدَه أصفرُ الساقين، فإنَّ المتوكِّل
(١) ديوان علي بن الجهم ص ٣٧.
(٢) في (خ) و (ف): تغرق. والمثبت ٨/ ٤٨، وديوان علي بن الجهم (التكملة) ص ١٣٦.
(٣) وهي في ديوان البحتري ٢/ ١٠١٣ - ١١١٤ بألفاظ قريبة.
(٤) من قوله: وقال علي المنجم: خرجنا مع إلى هنا ليس في (ب).
(٥) ما بين حاصرتين من (ب). وفي (خ) و (ف): وقال.
(٦) تاريخ بغداد ٨/ ٥١.
(٧) في (ب): وروي أن المأمون كان يقول.