وقال أبو مُحلِّم عوف بن محلِّم الشاعر: لما خرجَ عبد الله بن طاهر إلى خراسان من بغداد، خرجتُ معه، فكنت أعادله وأسامره، فلمَّا صرنا إلى الرَّيّ، مررنا سحرًا، فسمعنا صوتَ الأطيار، فقال عبد الله: لله درُّ أبي كبيرٍ الهُذَليّ حيث يقول: [من الطويل]
ألا يا حمامَ الأيكِ إلفُكَ حاضرٌ … وغُصنُكَ ميَّادٌ ففيمَ تنوحُ
ثم قال: يا عوف، أجز، فقلت: [من الطويل]
أفي كلِّ يومٍ غدوةٌ ونزوحُ … أما للنوى من وَنْيةٍ فتريحُ
لقد طَلَحَ البينُ المُشتُّ ركائبي … فهل أرينَّ البينَ وهو طَلِيحُ (١)
وذكَّرني بالرَّيِّ نوحُ حمامةٍ … فنحتُ وذو الشجن الحزينِ ينوحُ
على أنَّها ناحت ولم تُذْرِ دمعةً … ونحتُ وأسرابُ الدموع سفوحُ
وناحَتْ وفرخاها بحيثُ تراهما … ومن دون أفراخي مَهامِهُ فيحُ
عسى جُود عبد الله أن يعكسَ النَّوى … فيلقي عصا التَّطوَافِ وهي طريحُ
فإنَّ الغنى يُدني الفتى من صديقِه … وبُعدُ الغنى للمُقْتِرينَ طَروحُ
فلمَّا سمعَ عبدُ الله هذا قال: أنخ، فوالله لا جاوزتَ هذا المكان حتَّى ترجعَ إلى أفراخك، كم الأبيات؟ قلت: سبعة، فقال: يا غلام، أعطِه سبعينَ ألف درهم، وقيل: مئة ألف درهم، وقيل: مئة ألف، ومركبًا، وكسوة، فأخذتُها وودَّعتُه ورجعتُ (٢).
وقال الخطيب: دخل عوف بن محلِّم الشيباني (٣) على عبد الله، فسلَّم، فردَّ عبدُ الله، وكان في أذن عوف ثقلٌ فلم يسمع، فأخبر فارتجل في الحال: [من السريع]
يا ابن الَّذي دانت له المشرقان … طرًّا وقد دانتْ له المغربانْ
إنَّ الثمانين وبُلِّغتَها … قد أحوجتْ سمعي إلى تَرجُمانْ
وبدَّلتني بالشَّطاط الحَنَى … وكنتُ كالصَّعدة تحت السِّنانْ
ولم تدع فيَّ لمستمتعٍ … إلَّا لسانًا وبحسبي لسانْ (٤)
(١) طلح أي: أتعب. القاموس (طلح).
(٢) تاريخ بغداد ١١/ ١٦٥ - ١٦٦، تاريخ دمشق ٩/ ٤٤٧ (مخطوط) والرواية هنا جمع فيها بين أكثر من خبر.
(٣) في تاريخ دمشق: الخزاعي. وانظر معجم الأدباء ١٦/ ١٣٩.
(٤) تاريخ دمشق ٩/ ٤٤٦ (مخطوط) من طريق الخطيب البغدادي.