فلا هو في (١) الدُّنيا مُضِيعٌ نصيبَه … ولا عَرَضُ الدنيا عن الدِّين شاغلُهْ
وكتب العباسُ الهَمْداني إلى المأمون في يوم نَيروزَ وقد أهدى الناسُ فنونَ الطُّرَفِ واللَّطائف: [من مجزوء الكامل]
أهدى لك الناسُ المرا … كبَ والوصائفَ والذَّهبْ
وهديَّتي جَزْلُ القصا … ئدِ والمدائحِ والخُطَب
فاسلمْ سلمتَ على الزَّما … نِ من الحوادث والعَطَب (٢)
فأمر المأمونُ بأن يُحملَ إليه جميعُ ما أُهدي إليه في ذلك اليوم، وقال: نِعْمَ ما أَهدى إلينا.
وخرج المأمونُ في يوم عيدٍ إلى الصلاة وإلى جانبه يحيى بنُ أكثم، فإذا بغلامٍ مستحسَن يَخطِر في ثوبٍ موشًّى، فقال له: يا يحيى ما تقول في هذه البِضاعة؟ فغضب يحيى وقال: يَقبحُ بإمام مثلِك يقول هذا لفقيهٍ مثلي، فقال المأمون: فمن الَّذي يقول: [من المنسرح]
قاضٍ يرى الحدَّ في الزِّناء ولا … يرى على مَن يَلوط من باسِ
فقال يحيى: الفاجرُ أحمدُ بن أبي نُعيمٍ (٣) الَّذي يقول:
لا أَحسَبُ الجَورَ ينقضي وعلى الـ … أُمَّةِ والٍ من آل عبَّاسِ
فأطرق المأمونُ خَجَلًا وقال: يُنْفى ابنُ أبي نُعيمٍ إلى السِّند.
قال المصنِّف ﵀: هذان البيتان من جُملة أبيات، أوَّلها:
أَنطقني الدهرُ بعد إِخراسِ … لنائباتٍ أَطَلنَ وسواسي
يا بؤسَ للدَّهر لا يزال كما … يرفع ناسًا يحطُّ من ناسِ
لا أَفلحت أمَّةٌ وحُقَّ لها … بطول نَكسٍ وعُظْمِ (٤) إِتعاس
(١) في ديوان جرير ٢/ ٧٠٣: من.
(٢) العقد الفريد ٦/ ٢٨٩.
(٣) في العقد الفريد ٤/ ٣٥: أحمد بن نعيم، وما هنا يوافق ما في تاريخ بغداد ١٦/ ٢٨٨، وتاريخ دمشق ١٨/ ٣٥ (مخطوط)، ووفيات الأعيان ٦/ ١٥٣.
(٤) في المصادر: وطول.