إذا دعا باسمها داعٍ فأَسمَعَني … كادت له شُعبةٌ من مُهجتي تَقَعُ (١)
وقال: كنتُ لا أدخل على أبي دُلَفٍ إلَّا تلقَّاني ببرٍّ، فلما أَفرط انقطعتُ عنه، فبعث إليَّ أخاه يقول: لمَ هجرتنا؟ فكتبتُ إليهُ [هذه الأبيات]: [من الطويل]
هجرتُك لم أَهجرْك من كُفرِ نعمةٍ … وهل يُرتجَى نيلُ الزيادةِ بالكفرِ
ولكنَّني لمَّا أتيتُك زائرًا … فأَفرطتَ في بِرِّي عجزتُ عن الشُّكر
فَمِ الآنَ (٢) لا آتيك إلَّا مسلِّمًا … أَزورك في شهرين يومًا وفي شهر
فإنْ زدتَني بِرًّا تزايدتُ جَفوةً … ولم تَلقَني طولَ الحياةِ إلى الحشر
[قال: فلمَّا قرأها أبو دُلَفٍ كتب إليه هذه الأبيات:] (٣)
أَلَا رُبَّ ضيفٍ طارق قد بسطتُه … وآنستُه قبل الضيافةِ بالبِشْرِ
أتاني يرجِّيني فما حال دونه … ودون القِرى من نائلي عندهُ سِتري
وجدتُ له فَضْلًا عليَّ بقصدهُ … إليَّ وبِرًّا يستحقُّ به شكري
فلم يعدُ (٤) أنْ أدنيتُه وابتدأته … ببِشرٍ وإِكرامٍ وبِرٍّ على بِرِّ
وزوَّدته مالًا قليلًا بقاؤه … وزوَّدني مدحًا يدوم على الدَّهر
وبعث بالأبيات مع الوصيفِ يحمل كيسًا فيه ألفُ دينار.
قال المصنِّف رحمه اللهُ تعالى: لله دَرُّ أبي دُلَفٍ هو كما قال الشاعر:
تأخذ من ماله ومن أَدبه
كم بين شِعره وشعر ابنِ جَبَلة؟! فسبحانَ مَن على الجود والفضلِ جَبَلَه.
وابنُ جَبَلةَ هو القائلُ في أبي دُلَفٍ قصيدةً منها: [من المديد]
إنَّما الدنيا أبو دُلَفٍ … بين ناديه (٥) ومُحْتَضَرِهْ
(١) الديوان ص ٧٨.
(٢) في الأغاني ٢٠/ ٢٤: فها أنا، وفي المنتظم ١٠/ ٢٥٨: من الآن، والمثبت موافق لما في الديوان ص ١٢٠.
وقد نسبت الأبيات لدعبل أيضًا.
(٣) في (ج): فأجابه.
(٤) في الأغاني: أعدُ.
(٥) في الديوان ص ٦٨: مغزاه.