قد زال ملكه. ثم جعل يبكي ويقول. واسوءتاه من رسول الله ﷺ، وجعل يقبِّل أكفانَه ويبكي ويقول: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٨ - ٢٩] اللهمَّ ارحم غُربتي، وأَعنِّي على صَرعتي، وأنشد يقول:[من الخفيف]
أنا مَيْتٌ وعزَّ مَن لا يموتُ … قد تيقَّنتُ أنَّني سأموتُ
ليس مُلْكٌ يُزيلُه الموتُ مُلْكًا … إنَّما المُلك مُلكُ مَن لا يموت (١)
وقال سَهْلُ بن صاعد: كنت عند الرشيدِ وهو يَجود بنفسه ويقاسمي ما يقاسي، فنهضت، فقال: اقعُدْ يا سهل، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، ما يتَّسع قلبي أن أرى أميرَ المؤمنين يعاني ما يعاني، فقال: إنِّي لأَذكر في هذا الحالِ قولَ الشاعر: [من الطويل]
وحضر وفاتَه الفَضْلُ بن الربيع وإسماعيلُ بن صَبِيح، ومِن خدمه مَسرورٌ وحسينٌ ورشيد، وصلَّى عليه ابنُه صالح، ودُفن في بستان حميد (٣)، ويقال للمكان: المثقَّب.
[واختلفوا في وفاته، فقال الواقدي:](٤) ليلةَ السبت لثلاثٍ خَلَون من جُمادى الآخرةِ سنة ثلاثٍ وتسعين ومئة. [وقال هشام:](٥) ليلةَ الأحد غُرَّةَ جُمادى الآخرة. وقيل: غُرَّةَ جمادى الأولى.
[واختلفوا في سِنِّه على أقوال: أحدُها: أنَّه] عاش سبعًا وأربعين سنة [وخمسةَ أشهرٍ وخمسة أيام. والثاني خمسًا وأربعين سنة. والثالث: ستةً وأربعين سنة. والرابع: تسعًا وأربعين سنة] والاعتماد في هذه الأقوالِ على تصححيح مولِده. [وقد ذكرناه عند ولايتِه الخلافة.
(١) المنتظم ٩/ ٢٣١، والبيتان لعمر بن عبد العزيز كما في الداية والنهاية ١٢/ ٧٠٧. (٢) تاريخ الطبري ٨/ ٣٤٥، وابن الأثير ٦/ ٢١٣، والبيت لعبد الرحمن بن حسان كما في شرح المرزوقي ٢/ ٦٨٥. (٣) في (ب): بستان بن حميد بن غانم، والمثبت من (خ). وهو حميد بن أبي غانم كما في تاريخ الطبري ٨/ ٣٤٥، والبداية والنهاية ١٤/ ٢٧. (٤) في (خ): وكانت وفاته. (٥) في (خ): وقيل. وما سيأتي بين حاصرتين من (ب).