وقال مسرور: لمَّا سار هارونُ إلى خُراسان، مرَّ في طريقه على قصرٍ خَراب، فنزل يَستظِلُّ به، فإذا على حائطه مكتوبٌ [هذه الأبيات] (١): [من الكامل]
هل أنت مُعْتَبِرٌ بمَن خَابَتْ … منه غَداةَ مضى دَساكِرُهُ (٢)
وبمَن خَلَت منه أَسِرَّته … وبمَن خَلَت منه مَنابره
وبمَن أذلَّ الدَّهرَ مَصْرَعُه … فتَبرَّأت منه عَساكره
يا مؤثِرَ الدُّنيا للَذَّتِه … والمُسْتَعِدَّ لمَن يُفاخِرُه
أين الملوكُ وأين جُندُهمُ … صاروا مَصيرًا أنت صائره
نَلْ ما بدا لك أن تَنال … من الدُّنيا فإنَّ الموتَ آخِرُه
فبكى وانكسر وقال: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ [الإسراء: ٨١] فمات بعد أيَّام.
[وقال الهيثم:] (٣) لمَّا احتُضِرَ قال للعبَّاس بنِ موسى بنِ عيسى: يا عباس، إنِّي أجد في علمنا المُنْدَرِس: [من المجتث]
إنِّي بطُوسٍ مُقيمُ … ما لي بطوسٍ حَميمُ
أرجو إلهي لِمَا بي … فإنَّه بي رَحيم
لقد أتى بيَ طوسًا … قضاؤه المَحْتوم
وليس إلَّا رضائي … والصَّبرُ والتَّسليم (٤)
ثم قال: اِحفروا لي قبرًا قبل أن أموت، فحفروا له في البستان وحملوه في مِحَفَّة (٥)، فجلس على شفيره، ونظر في قعره وقال: ويحك يا ابنَ آدمَ تصير إلى هذا! ثم أمر قومًا فختموا فيه القرآن.
[وفي رواية:] أَلبِسوني المُسوح، فألبسوه، فقال: يا مَن لا يزول مُلْكُه، ارحم مَن
(١) ما بين حاصرتين من (ب). والأبيات لأبي العتاهية، وهي في ديوانه ص ١٨٠ - ١٨١.
(٢) الدَّسكرة: بناء كالقصر حوله بيوت، وبيوت الأعاجم يكون فيه الشراب والملاهي. القاموس المحيط (دسكر).
(٣) ما بين حاصرتين من (ب).
(٤) المنتظم ٩/ ٢٣١، والبداية والنهاية ١٤/ ٤٦ - ٤٧ دون نسبة.
(٥) مركب للنساء كالهودج. القاموس المحيط (حفف).