قال: نويتُ له مئة ألف، فاقترحَ ثلاثين ألفًا، فقد ربحتُ سبعين، فارْجِعُوا بنا، فما ربحَ أحدٌ ما ربحتُ الغداة (١).
[وحكى أبو القاسم أيضًا عن أبي تمَّام الطائي قال:] قدم عليه أسدُ بنُ عبد الله بأموال خُراسان، فجلس خالد يُفَرِّقُ البِدَرَ، وقال: إنما هذه الأموال ودائعُ لا بدَّ من تفريقها. فقال له [أخوه] أسد: إنَّ الودائعَ تُجمع ولا تُفَرَّق. فقال له خالد: ويحك! إنها ودائعُ المكارم، وأيدينا وكلاؤُها، فإذا أتانا المُملقُ فأغنيناه، والظمآن فأرويناه (٢)، والملتجئُ فآويناه، فقد أدَّينا فيه الأمانة (٣).
وقال ابنُ عيَّاش الهَمْدانيّ: بينا أنا ذاتَ يوم واقفٌ بباب أبي جعفر أنتظرُ الإذن؛ إذْ خرجَ الربيعُ بنُ يونس الحاجب، فقال: يقولُ لكم أميرُ المؤمنين: بمن تشبِّهوني من خلفاء بني أميَّة؟ فسكتَ القوم، فقلتُ [للربيع]: أنا أعلمُ مَنْ يُشْبِهُه.
فدخل ثم خرج وقال: يقول لك أميرُ المؤمنين: ليس بك الجواب، وإنَّما تريد الدخولَ للكُدْيَة (٤). فقلت: ما بنا عن أمير المؤمنين غنىً. قال: فاذكُر الجواب. قلت: حتى أدخل. قال: إنك تُبْرِمُهُ بكثرة السؤال والحوائج. قلت: لا. فدخل ثم خرج، فقال: ادخُلْ.
فدخلتُ، وكان في كُمِّي رُقْعةٌ لآل خالد بن عبد الله يشكُون الضائقة، فقال لي أبو جعفر: ويحك! ما أكثرَ رِقاعَك وحوائجَك ومسألتَك! إنك تُنغِّصُ علينا مجلسَنا بذلك. فقلتُ: لا أَعْدَمَنا اللهُ أميرَ المؤمنين.
قال: بمن تُشَبِّهوني؟ قلت: بعبد الملك بن مروان. قال: وكيف؟ قلت: لأنَّ أوَّلَ اسمِه عين، وأوَّلَ اسمِك عين، وأوَّل اسم أبيه ميم، وأوَّل اسمِ أبيك ميم، وقتلَ ثلاثةً من الجبابرة أوَّلُ أسمائهم عين، وكذا أنت [قال: مَنْ قتل؟ قلت:] قتلَ عبد الله بن الزُّبير، وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، وعَمرَو بن سعيد الأشدق. قال: وأنا مَنْ
(١) المصدر السابق ٥/ ٤٩٢. (٢) عبارة (ص): فأسقيناه أو فأرويناه. (٣) تاريخ دمشق ٥/ ٤٩٢. (٤) يعني كثرة السؤال والإلحاح.