فإنْ بَرَزَتْ كانَتْ لِعَينِكَ قُرَّةً … وإِنْ غِبْتَ عنها لم يَعُمَّكَ عارُها
فقالت له: أرأيتَ حين تذكرُ طِيبَها؛ فلو أنَّ زِنْجيَّةً استجمرتْ بالمَنْدَل الرَّطْب لطابَ رِيحُها! ألا قلتَ كما قال امرؤ القيس:
خليليَّ عُوجا (١) بي على أمِّ جُنْدُبٍ … نُقَضِّ لُباناتِ (٢) الفؤادِ المعذَّبِ
ألَمْ تَرَ أني (٣) كلّما جئتُ طارقًا … وجَدْتُ بها طِيبًا وإنْ لم تَطَيَّبِ
فقال كُثير: الحقُّ لَهُوَ -واللهِ- خيرُ ما قيل، لَهُوَ -واللهِ- أنعتُ لصاحبته منّي (٤).
وقال ابن عائشة: وقف كُثّيِّر على قوم يفضِّلون عليه جميلًا ويقولون: هو أصدقُ في حبِّه من كُثَيِّر، وهم لا يعرفونه، فقال لهم: كيف تفضِّلُون جميلًا على كُثَيِّر وقد بلغ جميلًا عن بُثَينَةَ ما يكره؟ فقال:
رمى الله في عَينَيْ بُثَينَةَ بالقَذَى … وفي الغُرِّ من أنيابها بالقَوادحِ
وكُثَيِّر عَزَّة أتاه من عَزَّة بعضُ ما يكره، فقال:
خليليَّ هذا رَبْعُ عَزَّةَ فاعْقِلا … قَلُوصَيكُما ثم ابكيا حيثُ حَلَّتِ
وما كُنْتُ أدري قبلَ عَزَّةَ ما البُكا … ولا موجباتِ الحبِّ (٥) حتَّى تولَّتِ
فقلتُ لها يا عَزَّ كلُّ مصيبةٍ … إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفسُ ذَلَّتِ
وواللهِ ما قاربتُ إلا تباعَدَت … وواللهِ ما أكثرتُ إلا أقلَّتِ
أسيئي بنا أو أحْسِني لا ملومةٌ … لَدَينا ولا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ
فلا يحسبُ الواشون أنَّ صبابتي … بِعَزَّةَ كانت غَمْرةً فتَجلَّتِ
ومن أرقّ ما قال:
هنيئًا مريئًا غير داءٍ مُخامرٍ … [لعزَّةَ من أعراضنا ما اسْتَحلَّتِ]
(١) في "ديوان" امرئ القيس ص ٤١، و"تاريخ دمشق" ٥٩/ ٣٢٠: مُرَّا.
(٢) جمع لُبانة، وهي الحاجة من غير فاقة.
(٣) كذا في (خ) و"تاريخ دمشق" ٥٩/ ٣٢٠، وفي "الديوان": ألم تَرَياني. وهو الوجه.
(٤) تاريخ دمشق ٥٩/ ٣١٩ - ٣٢٠.
(٥) في "الشعر والشعراء" ١/ ٥١٤، و"التذكرة الحمدونية" ٦/ ١٧٢: موجعات الحزن. وفي "الأغاني" ٩/ ٢٩: موجعات القلب. وفي "الحماسة البصرية" ٢/ ١٢٣: موجعات البين.