من أبيات، فقال مَن حَضر من أهل الشام: أيها الأمير، إنه قد أحسن، فخلِّ سبيلَه، فقال الحجّاج: والله ما أراد بهذا المدح، وإنما قاله حَنَقًا وتَغَيُّظًا على أصحابه حيث لم يَظفَروا بكم، وظهرتُم عليهم، ثم قال له: ألست القائل:
بين الأشَجِّ وبين قَيسٍ باذِخٌ؟
قال: بلى، قال: فأنشِدْها، فأنشد: [من الكامل]
كم من أبٍ لك كان يَعْقِدُ تاجَه … بجَبينِ أبْلَجَ مِقْوَلٍ صِنْديدِ
وإذا سألتَ: المجدُ أين مَحَلُّه … فالمَجْدُ بين محمدٍ وسعيدِ
بين الأشَجِّ وبين قيسٍ باذِخٌ … بَخْ بَخْ لوالدِه وللمَولودِ
قال له الحجاج: وَيحك، هذا لابن الحائك، فما أبقيتَ لمَن بعده؟ والله لا تُبَخْبغُ بعدها لأحدٍ أبدًا، وضرب عُنقه.
فقال الشعبي: قدمتُ البصرةَ، فجلست في حَلقةٍ فيها الأحنف بن قيس، فقال رجل من القوم: من أين أنت؟ فقلت: من الكوفة، فالتفت إلي رجل فقال: هذا مولانا، أي: عبدنا، فقلت له: هل علمتَ ما قال أعشى هَمْدان فينا وفيكم؟ قال: وما الذي قال: قلت: [من الرمل]
وإذا فاخَرْتُمونا فاذكُروا … ما فعَلْنا بكمُ يومَ الجَمَلْ
إن ذاك اليوم لا مِثلَ له … فانتَهُوا قد سَبَقَ السَّيفُ العَذَلْ
بين شيخٍ خاضِبٍ عُثْنُونَه … وفَتىً أبيضَ وَضّاحٍ رِفَلّ (١)
جاءنا يَهْدِرُ في سابِغَةٍ … فذَبَحْناه ضُحًى ذَبْحَ الجَمَلْ
ثم ناداكُم مُنادٍ أنه … آمِنٌ مَن رَدَّ بابًا ودَخَلْ
وعَفَوْنا فنَسِيتُم عَفْوَنا … وكفَرْتُم نِعْمَة الله الأَجَلّ
أفَخَرْتُمْ أن قَتَلْتُم أعْبُدًا … وهَزَمْتُم مُرَّةً آلَ رُغَلْ (٢)
نحن قُدناكُم صغارًا عَنْوَةً … وجَمَعْنا أمرَكُمْ بعد الفَشَلْ
قال: فغضب الأحنف بن قيس وقال: هاتوا تلك الصَّحيفة، فإذا هي من المختار إلى الأحنف بن قيس ومَن قِبَلَه من مُضَر: أما بعد، فويلٌ لمُضَر من شَرٍّ قد حَضَر، ولابد
(١) العُثنون: ما نبت على الذقن وتحته سفلًا، والرِّقَلُّ: الطويل الذيل من الثياب.
(٢) في الأغاني ٦/ ٥٥: آل عَزَل. يريد بهم الخوارج.