وكان عبدُ الله بن الزَّبِير الأَسَدي قد هجا المصعب، فنذر دمه، ثم دخل عليه، فقال له مصعب: أنت القائل:
إلى رجبٍ أو غُرَّةِ الشهرِ بعدَهُ … توافيكمُ بيِضُ المنايا وسُودُها
ثمانون ألفًا دِينُ عثمانَ دِينُها … مسوَّمةً جبريلُ فيها يقودُها (١)
قال: نعم.
ومن شعره أيضًا:
رَمَى الحَدَثانُ نسوةَ آلِ حَرْبٍ … بمقدارٍ سَمَدْنَ له سُمُودا
فَرَدَّ شُعورَهنَّ السُّودَ بِيضًا … ورَدَّ وجوهَهنَّ البيضَ سُودا
فإنك لو سمعْتَ بكاءَ هندٍ … ورملةَ إذْ تَصُكَّانِ الخُدودَا
سمعتَ بكاءَ باكيةٍ وباكٍ … أبانَ الدَّهرُ واحدَها الفقيدا (٢)
فعفا عنه، وأجزل جائزتَه، فخرج من عنده وهو يقول:
جزى الله عنِّي مصعبًا إنَّ فضلَهُ … يعيشُ به الجاني ومن ليس جانيا
ويعفُو عن الذنبِ العظيم اجترامُهُ … ويُوليكَ من إحسانٍ ما لستَ ناسيا (٣)
وهذا الشاعر من شعراء الحماسة.
وذُكر بين يدي مصعب رجل بالكِبْر، فقال: العجب ممن يتكبَّر وقد جرى في مجرى البول مرتين (٤).
وقال مصعب: قلتُ لعبد الله بن عُمر (٥): هل أدَّيتَ حقَّ الله في هذا الأمر؟ قال: نعم، كتبتُ إلى عبد الملك آمرُه [بتقوى الله،] وأن يكفَّ نفسه، فكتبَ إليّ: فمُر ابنَ
(١) أنساب الأشراف ٦/ ١٢٣، و "تاريخ دمشق" ص ٥١١ (طبعة مجمع دمشق- ترجمة عبد الله بن الزَّبِير). وينظر "الأغاني" ١٤/ ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٢) في النسخ (عدا م، فالكلام ليس فيها): الفريدا، والمثبت من "شرح الحماسة" للتبريزي ٣/ ٤ - ٥. وينظر "شرح الحماسة" للمروزقي ٣/ ٩٤١.
(٣) في النسخ: ما كنت جانيا. والمثبت من "تاريخ دمشق" ص ٥١١ (الطبعة المذكورة آنفًا).
(٤) تاريخ دمشق ٦٧/ ٣٤٧ (طبعة مجمع دمشق). ونُسب الخبر في (م) للزُّبير بن بَّكار.
(٥) في النسخ الخطية: عَمرو. والمثبت من "أنساب الأشراف" ٦/ ١٤. وما سيرد بين حاصرتين منه. وينظر "تاريخ دمشق" ٦٧/ ٣٥٢ (طبعة مجمع دمشق).