بِربِّكَ هل ضَمَمْتَ إليكَ ليلى … قُبيلَ الصُّبحِ أو قَبَّلْتَ فاها
وهل رَفَّتْ عليك قُرونُ ليلى … رفيفَ الأُقحوانةِ في نداها
فقال: اللَّهمَّ إذْ حلَّفْتَني فنعم. فقبضَ المجنونُ بكلتا يديه قبضتين من الجمر، فما فارقَه حتى وقعَ مغشيًّا عليه، وسقط لحمُ كفَّيه مع الجمر (١).
[وقال هشام: نزلَتْ ليلى منزلًا، ثم رحلت، فجاء المجنون، فألصقَ صدره بمكانها، وجعلَ يلثُمُ التراب ويبكي ويقول:
أيا حَرَجاتِ الحيِّ حيث (٢) تحمَّلُوا … بذي سَلَمٍ لا جادَكُنَّ ربيعُ
وخيماتُكِ (٣) اللاتي بمنعرج اللِّوى … بَلِينَ بِلَى لم تَبْلَهُنَّ رُبُوعُ
ندمتُ على ما كان منِّي ندامةً … كما ندمَ المَغْبُونُ حين يبيعُ
فقدتُكِ من قلبٍ شَعاعٍ ألم أكُنْ … نهيتُكِ عن هذا ونحن جميعُ (٤)
وقال العُتبيُّ: مرَّ يومًا بحيِّ ليلى وهي جالسةٌ مع أترابٍ لها، فوقف عليهنَّ، وحادثَهنَّ، ونزل فعقرَ ناقتَه، فجعلنَ يشوينَ ويأكلْنَ، فأقبلَ غلامٌ حسن الوجه يقال له: مُنازل، فجلس إليهنَّ، فأعْرَضْنَ عن قيس، فقال:
أَأَعقِرُ من جَرَّا كريمةَ ناقتي (٥) … ووَصْلِيَ مقرونٌ بوَصْلِ مُنازِلِ
إذا جاء قَعْقَعْنَ الحُلِيَّ ولم أكُنْ … إذا جئتُ أرجو صوتَ تلك الخلاخلِ
وقال أبو عُبيدة مَعْمَر: ليلى بنتُ مهديّ، من ولد الحَرِيش، وكنيتُها أمُّ مالك.
وقال العُتبي: إنما سُمِّيَ المجنون لقوله:
يقولُ أُناسٌ عَلَّ مجنونَ عامرٍ … يرومُ سُلُوًّا قلتُ إنِّي لِمَا بِيا
(١) ينظر "الأغاني" ٢/ ٢٤ - ٢٥، و "المنتظم" ٦/ ١٠٧.
(٢) في (م) (والكلام منها): متُّ! والمثبت من "الأغاني" ٢/ ٢٧.
(٣) في (م): وجثمانك. والمثبت من "الأغاني".
(٤) الأغاني ٢/ ٢٦ - ٢٧، و "المنتظم" ٦/ ١٠٤، والديوان ص ١١٢. قوله: شَعَاع؛ يقال: ذهبت نفسُه أو قلبُه شَعَاعًا، أي: تفرَّقت هِمَمُها وآراؤها، فلا تتَّجهُ لأمرٍ جَزْم.
(٥) من جرَّا، أي: من أجل. وكريمة: امرأة من قوم قيس، كان معها جماعة نسوة يتحدثن، ومعهن ليلى. ينظر "الأغاني" ٢/ ١٣ و ٢٩ - ٣٠.