[وفي رواية المدائني أيضًا ما يدلُّ على أنه مات بمصر؛ لأنه زاد في الحكاية].
قال المدائني: ثم أُغمي عليه وأفاق فقال:
بَكَرَ النَّعِيُّ وماكَنَى بجميلِ … وثَوَى بمصرَ ثواءَ غيرِ قُفُولِ
قُومي بُثينةُ فاندُبي بعويلِ … وابكي خليلَكِ قبل كلِّ خليلِ
وأشار جدِّي في "المنتظم" إلى أنه مات بمصر، فقال: لما احتُضر جميل بمصر قال: من يُعلم بُثينة؟ فقال رجل: أنا. فلما مات؛ خرج الرجلُ بعد موت جميل، فسافر حتى قدمَ حيَّ بني عُذْرَة، وأتى ذلك الرجلُ إلى حيِّ بُثَينَة، فأنشد البيتين: بَكَرَ النعيّ … فلما فرغ منها (١)؛ خرجت بُثينة مكشوفة الرأس تقول:
وإنَّ سُلُوِّي (٢) عن جميلٍ لَسَاعةٌ … من الدهر ما حانَتْ ولا حانَ حينُها
سواءٌ علينا يا جميلُ بنَ معمرٍ … إذا مِتَّ بَأْساءُ الحياةِ ولِينُها (٣)
[وقال ابنُ قُتيبة: سافر إلى مصر، فمات بها.
واختلفوا في أيّ سنة مات على قولين: أحدُهما: في سنة خمس وستين. والثاني: أنه عاش إلى سنة اثنتين وثمانين].
وقال العسكريّ: [من] الشعراء ثلاثة يُدعون جميلًا؛ أحدهم هذا، والثاني: جميل بن المعلَّى بن فَزارة، وهو القائل:
وأُعرِضُ عن مَطاعِمَ قد أراها … فأتركُها وفي قلبي انطواءُ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ … ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
والثالث: جميل بن سِيدَان الأسدي، وهو القائل:
أَيَا جُمْلُ هَلْ دَينٌ مُؤدًّى لِحينِهِ … فقد حَلَّ ذاك الدَّينُ واحْتَاجَ طالِبُهْ
(١) من قوله: وأشار جدّي في "المنتظم" … إلى هذا الموضع من (م) ووقع بدله في (خ) بعد البيتين السابقين لفظ: "فلما مات جاء رجل إلى حي بُثينة وأنشد البيتين، فلما فرغ منها … " وآثرت إثبات لفظ (م) للفائدة، وما سبق بين حاصرتين منها. والخبر في "المنتظم" ٦/ ٤٥ - ٤٦.
(٢) في (م): سألوني، وهو تحريف.
(٣) ينظر "الشعر والشعراء" ١/ ٤٤٢، و"الأغاني" ٨/ ١٥٤، و"تاريخ دمشق" ص ٦٨ - ٦٩ (تراجم النساء - طبعة مجمع دمشق). قال ابن عساكر في بيتَي بُثينة: يقال: إنها لم تقل غيرهما.