وما ضيَّع الإسلامَ إلا قبيلُها … تأمَّرَ نَوْكاها (١) ودامَ نعيمُها
وأضحَتْ قناةُ الملك في كفّ ظالمٍ … إذا اعوجَّ منها جانبٌ لا يُقيمُها
فأقسمتُ لا تنفكُّ نفسي حزينةً … وعينيَ تبكي لا يجفُّ سُجُومُها (٢)
وقال [المدائني عن] رجل من أهل المدينة: خرجتُ أريدُ اللَّحاق بالحسين ﵁ لما توجَّه إلى العراق، فلما بلغت (٣) [الرَّبَذة] إذا برجل جالس [هناك] فقال لي: يا عبد الله، لعلك [تريدُ] أن تُمِدَّ الحسين؟ قلت: نعم. قال: وأنا كذلك، ولكن اقعد، فقد بعثتُ صاحبًا في (٤)، والساعةَ يقدُم بالخبر. [قال:] فلم تمض ساعة؛ وإذا بصاحبه قد أقبل وهو يبكي، فقال له: ما الخبر؟ فقال:
واللهِ ما جئتُكم حتى بَصُرتُ به … في الأرض مُنْعَفِرَ الخدَّينِ منحورا
وحولَه فتيةٌ تَدمَى نحورُهُمُ … مثل المصابيح يغشَوْن الدُّجَى نُورا
وقد حَثَثْتُ قَلُوصي كي أُصادفَهم … من قبل ما ينكحون الخُرَّدَ الحُورَا
يا لَهْفَ نفسيَ لَوْ أنِّي لحقتُهمُ … إذًا لَحُلِّيتُ إذْ حُلُّوا أساويرا
فقال الرجل المجالس:
اذْهبْ فلا زال قبر أنت ساكنُهُ … إلى القيامةِ يُسْقَى الغيثَ ممطورا
في فتيةٍ بذلُوا للهِ أنفسَهم … قد فارقوا المال والأهلينَ والدُّورا
وقال عقبة بن عمرو (٥) العبسي [ويقال: إنه أول من رثاه، فقال هذه الأبيات]:
إذا العينُ قرَّت في الحياة وأنتمُ … تخافون في الدنيا فأظلمَ نورُها
مررتُ على قبر الحسين بكَربَلا … ففاضَ عليه من دموعي غزيرُها
وما زلت أبكيه وأرثي لشجوهِ … وتسعد عيني دمعُها وزفيرُها
(١) جمع أَنْوَك، أي: أحمق.
(٢) تاريخ دمشق ٤٤/ ١٩٧ (طبعة مجمع دمشق)، وفيه بيت خامس، وورد في "طبقات ابن سعد" ٦/ ٤٦٠ ثلاثة أبيات. قوله: سُجُومها، أي: سَيلُها وقَطْرُها.
(٣) في (ب) و (خ): بلغ، والمثبت من (م). وما بين حاصرتين في هذا الخبر منها.
(٤) في (ب) و (خ): لقيت صاحباك والمثبت من (م).
(٥) في (م): عمر.