ثم دعاه معاوية فقال: ما دعاك إلى هذا؟ فقال: نصحتُك إذْ غَشُّوك، وصَدَقتُك إذْ كَذَبُوك. فقال: ما أظنُّك إلا صادقًا. وقضى حوائجَه (١).
دخل أبو بُردة بن أبي موسى حمَّامًا، فزحَمَ رجلًا، فرفع الرجل يَدَه، فلطَم أبا بُرْدَة في وجهه، فقال عقبة الأسدي:
لا يَصْرِمُ اللهُ اليمينَ التي لها … بوجهك يا ابنَ الأشعريّ نُدوبُ
فاستعدى عليه معاوية، فقال: إنه هجاني. قال: وما قال: قال: فأنشده البيت.
فقال: هذا رجل دعا ولم يقل إلا خيرًا. فقال أبو بُردة: فقد قال:
وأنت امرؤٌ في الأشعرين مقابَلٌ (٢) … لديهم وفي البطحاء (٣) أنت غريبُ
فقال معاوية: وإذا كنتَ في الأشعريين مقبلًا؛ فما ذاك؟ فقال: فقد قال:
ولا أنا من حُدَّاثِ أمِّك بالضُّحى … ولا مَنْ يزكِّيها بظهر مَغِيبِ (٤)
فقال معاوية: وماذا عليه إذا لم يزكِّها؟ ولو كان قال: أنا من حُدَّاثها؛ لكان لك أن تغضب.
ثم قال معاوية: والذي قال لي أشدُّ. يعني قوله:
معاويَ إننا بشرٌ فأَسْجِحْ … فلسنا بالجبال ولا الحديدِ (٥)
الأبيات المتقدَّمة.
(١) الخبر في "العقد الفريد" ١/ ٥٢ دون قوله: (فلما وقف معاوية على الأبيات … لندعو عليه). وينظر "أنساب الأشراف" ٤/ ٦٧، والتعليق السابق. فلعل ثمة وهمًا وقع. (٢) في (ب) و (خ): في الأشعريين مقبلًا. والمثبت من "العقد الفريد" ٥/ ٣١٩. والمقابَل من الرجال: الكريم النسب من قبل أبويه. (٣) في "العقد الفريد": وفي البيت والبطحاء، وبدل: لديهم وفي البطحاء. (٤) في (خ) (والكلام منها): فقال عجيب بدل: بظهر مغيب (؟). وسقط البيت من (ب)، والكلام ليس في (م). والمثبت من "العقد الفريد". والحُدَّاث: أي الجماعة يتحدَّثون؛ قال ابن الأثير في "النهاية": هو جمع على غير قياس، حملًا على نظيره، نحو سامر وسُمَّار. (٥) ينظر ردّ ابن عبد ربّه رواية سيبويه: ولا الحديدا (بالنصب) في "العقد الفريد" ٥/ ٣٩٠ - ٣٩١.