وقال معاوية لأبي الجَهْم بن حُذيفة: أيُّنا أسنُّ؟ أنا أم أنتَ؟ فقال أبو الجَهْم: واللهِ لقد أكلتُ في عُرْس أمِّك، وأذكرُ دخولَها على زوجها. فقال معاوية: على أيِّ أزواجها؟ قال: على حفص (١) بن المغيرة. فقال معاوية: واللهِ لقد كانت كريمةَ المناكح، وإيَّاك يا أبا الجَهْم والقُدومَ (٢) بعدها على السلطان بمثل هذا، فأمْرُ السلطان كاللعب، وصَوْلَتُه كالأسد.
وفي رواية: فإنَّه يغضب غضب الصِّبيان، ويصولُ صَوْلَةَ الأسد (٣). فقال أبو الجَهْم:
نميلُ على جوانبِه كأنَّا … إذا مِلْنا نميلُ (٤) على أبينا
نُقَلّبُهُ (٥) لِنَخْبُرَ حالتَيهِ … فنَلْقَى (٦) منهما كَرَمًا ولِينا
وهجا عُقبة (٧) الأسديّ معاويةَ من أبيات:
مُعاويَ إننا بَشَرٌ فأَسْجِحْ (٨) … فلسنا بالجبال ولا الحديدِ
أكلْتُم أرضَنا فَجَرَدْتُموها … فهل من قائمٍ أو من حَصِيدٍ
فهَبْنا أمةً هَلَكَتْ ضَياعًا … يزيدُ أميرُها وأبو يزيدِ
أتطمع في الخلود إذا هَلَكْنا … فليس لنا ولا لك من خلودِ
فلما وقف معاوية على الأبيات، استشار أصحابَه فيه، فقال قوم: اقتُلْه. وقال آخرون: مَثِّلْ به. وقال قوم: افعل به كذا وكذا. فقال معاوية: ألا نفعلُ ما هو خير لك فقال: وما هو؟ قال: ارفعوا أيديَكم لندعوَ عليه (٩).
(١) تحرف في (ب) و (خ) إلى: حصين. والمثبت من "أنساب الأشراف" ٤/ ٦٥ و"العقد الفريد" ١/ ٥٢. (٢) في "أنساب الأشراف" ٤/ ٦٥: والإقدام. (٣) المصدر السابق، والعقد الفريد ١/ ٥٢. (٤) في "العقد الفريد" ١/ ٥٢ و"تاريخ دمشق" ٦٨/ ٢٨٤: نميل إذا نميل. (٥) في "العقد": ونغضبُه. (٦) في "العقد" و"تاريخ دمشق": فنَخْبُرَ. (٧) كذا في (ب) و (خ): عقبة (في الموضعين). وفي "العقد الفريد" ١/ ٥٢: عُقيبة. وبهذا الاسم ترجم له ابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٤٨/ ٢٥. فقال: عقيبة بن هبيرة بن فروة الأسدي. (٨) أي: سَهِّلْ وارْفُقْ، يقال: ملكتَ فأَسْجِحْ. (٩) كذا وقع سياق الكلام في (ب) و (خ) بصيغة الجمع ثم بالفرد. وقول معاوية: ألا نفعل ما هو خير لك … وقع في رواية للخبر في "العقد الفريد" ٥/ ٣١٩ - ٣٢٠ يخاطب به أبا بردة بن أبي موسى الأشعري، وهي الرواية التي ستأتي بعد هذه الرواية مختصرة.