ودخل عليه عمرو بن سعيد [بن العاص] الأشدق، ومعاويةُ ثقيل، فقال عمرو: كيف أصبحتَ؟ فقال: صالحًا. فقال: لقد أصبحت عينك غائرة، ولونُك كاسفًا وأنفك ذابلًا، فاعْهَدْ أيها الرجل [عهدك] ولا تخدعْ نفسَك، فقال:
وهل من خالدٍ إنَّا (١) هلكنا … وهل في الموت يا لَلنَّاسِ عارُ (٢)
[وحكى المدائني قال:] حسر معاوية عن ذراعيه، فإذا كأنهما عَسِيبا نخل، وقال: هل الدنيا إلا ما جَرَّبْنا وذُقْنا؟ واللهِ لوَدِدْتُ أني لم أُعمَّر (٣) فوق ثلاث حتى ألقى ربي.
[وقال الواقدي:] وكان عنده قميصُ رسولِ الله ﷺ، وإزارُه، ورداؤه، وشيءٌ من شَعره، فقال: إذا أنا متُّ، فأَدْرِجوني في هذه الثياب، واحْشُوا منخري وشدقي شعر رسول الله ﷺ، وخلُّوا بين معاوية وبين أرحم الراحمين (٥).
وقال الطبري (٦): قال معاوية في مرضه: كساني رسول الله ﷺ قميصًا فرفعتُه، وقلَّم أظفارَه، فأخذتُ قُلامَتَه، فجعلتُها في قارورة، فإذا متُّ، فألْبِسُوني قميصَه، واسحقوا تلك القُلامة، وذُرُّوها في عيني وفمي، عسى أن يرحمني ربِّي.
(١) في "أنساب الأشراف" ٤/ ١٧٤: إما. (٢) أنساب الأشراف ٤/ ١٧٤. والخبر بنحوه في "تاريخ دمشق" ٦٨/ ٣٢٣. (٣) في "تاريخ دمشق" ٦٨/ ٣٢٤: أُغبَر. وينظر "طبقات" ابن سعد ٦/ ٢٢، و"أنساب الأشراف" ٤/ ٥٩. (٤) رُوي البيت لحسان بن ثابت ولغيره. وربيعة بن مُكَدَّم رجل من بني كنانة؛ كان قتلَه أهبان بن غادية الخزاعي، وقيس تقول: قتله نُبَيشة بن حبيب السُّلَمي، وكان أُهبان أخا نُبَيشة لأمه. والذَّنوب: الدَّلْو المَلْأى ماءً. ينظر "الكامل" للمبرّد ٣/ ١٤٥٨، و"معجم الشعراء" للمرزباني ص ٣٦. (٥) تاريخ دمشق ٦٨/ ٣٣٠ و ٣٣١. (٦) تاريخ الطبري ٥/ ٣٣٦ - ٣٢٧. وينظر "طبقات" ابن سعد ٦/ ٣٠، و "أنساب الأشراف" ٤/ ١٧٣.