ﷺ يديه وقال:"اللَّهم اجعَلْ أبا بَكرٍ في دَرَجتي يومَ القِيامَةِ"، فأوحى الله إليه: إن الله قد استجاب لك (١).
وقال الإمام أحمد بن حنبل ﵁: حدثنا عفَّان (٢)، حدثنا همَّام، حدثنا ثابت، عن أنس: أن أبا بكر ﵁ حدثه: قال: قلت: يا رسول الله -ونحن في الغار-، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال:"يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما". متفق عليه (٣).
قال ابن عباس: وأنزل الله تعالى: ﴿إلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾ الآية [التوبة: ٤٠].
ومعنى الآية: أن الله هو المتولي لنصره حين كان أولياؤه قليلًا وأعداؤه كثيرًا، فإن قيل: فما معنى قوله: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠]؟ قلنا: لأن أبا بكر ﵁ حزن إشفاقًا عَلى رسول الله ﷺ، قال له: يا رسول الله، إني إن قُتِلْتُ فمثلي كثير، وإن قُتِلْتَ أنت هَلكَتِ الأمةُ. فكان حزنه على رسول الله ﷺ لا على نفسه (٤).
وقال ابن عباس: عاتب الله أهل الأرض بهذه الآية إلا أبا بكر (٥)﵁. والهاء في قوله: ﴿سَكِينَتَهُ﴾ (٦) عائدة إلى أبي بكر ﵁.
لأن الإزعاج والخوف على رسول الله ﷺ إنما كان من أبي بكر ﵁ وحده، فرد السكينة إليه ولو أرادهما، لقال:(عليهما) بخلاف الهاء في قوله: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: ٤٠] حيث يرجع إلى رسول الله ﷺ، لأن التأييد بالملائكة لا يصلح إلا له وحده.
وذكر وهب بن منبه: أن رسول الله ﷺ إنما هاجر من بيت أبي بكر ﵁، أحاطت قريش بالبيت، فخرج من خَوْخَةٍ في ظهر الدار. والأول أصح.
(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" ١/ ٣٣، وابن الجوزي في "المنتظم" ٣/ ٥٣. (٢) في النسخ: "عثمان"، والمثبت من أحمد. (٣) أحمد في "مسنده" (١١)، والبخاري (٣٦٥٣)، ومسلم (٢٣٨١). (٤) انظر "تفسير" البغوي ٢/ ٢٩٣. (٥) أورده الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" ٢/ ١٥٤ عن الحسن ﵁، والبغوي في "تفسيره" ٢/ ٢٩٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٣/ ٤٣٩ عن الشعبي. وانظر "دلائل النبوة" للبيهقي ٢/ ٤٨٢. (٦) كذا في النسختين، وفي زاد المسير ٣/ ٤٤٠: وفي هاء عليه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها ترجع إلى أبي بكر.